النسبية المعرقلة للتطور والتنمية
إذا نظرنا إلى الواقع بصفة عامة وأجرينا مقارنة مع ما يجب ان يكون طبقا للقوانين العامة والبرامج التنموية، وتأملنا في النسبية كمدخل نظري لها من خلال مقاربة التعامل مع الحالة العامة للبلاد نلاحظ وجود فاعلين يسيرون بسرعات مختلفة وغير مناسبة وغير ثابتة، وتحتاج إلى اعادة النظر فيها و ضبط التعاطي معها برياضيات سياسية و اجتماعية واقتصادية لتأمين مستوى تنمية و استقرار الحالة العامة للبلاد بالقياس الزمني والتفاعلي المحددين في التصور العام، وإيقاف السرعة المميتة للتطور و والتنمية و تقوية سرعة النسبية التي تحتاج إلى رياضيات أكثر دقة و تخصصاً.
إن الحالة العامة لها تأثير على كل مظاهر الحياة لكونها تتعامل مع الانساق الفرعية فى ظل وجود سرعات متسارعة وليست ثابتة بسبب وجود توجهات متصارعة و تنم عن وجود علاقات غير مفهومة مرتبطة بما هو تاريخي و مادي واجتماعي .
وما يزيد من تكريس الأزمة نجد تبرير الاختلاف باسم النسبية في الزمان والمكان التي يخفيان مشاكل نظرية ومنهجية التي تفتقر للاستيعاب والتطبيق الخاضعين لمختبرات بحثية و لقواعد السرعة المنتظمة على خط مستقيم. مع قياس مستوى استغلال المشترك و تأثيرات الأداء على المجتمع العام.
وانطلاقا من كون النسبية الخاصة و النسبية العامة تعتمدان على القوانين التي تراعى في العلوم الطبيعية، فإن نسبية تفاعل القوانين الوضعية مع العلوم الاجتماعية كيفما اختلفت قراءة المحللين لها، أَو كيفما اختلفت مستويات تنزيلها تقاس بما تفضي إِليه من نتائج تنموية للتفريق بين نسبية المصلحة العامة و نسبية المصلحة الخاصة.
و ببساطة نجد النسبية الخاصة لا تتعامل مع الأنظمة التي تسير بسرعة ثابتة وتتفاعل مع السرعة التي تتوافق مع النتائج الثابتة لهذه الأنظمة. بينما النسبية العامة فتتعامل مع الحالة العامة فى ظل وجود سرعات متسارعة وليست متوازنة ولا ثابتة والسبب هو تفضيل نتائج النسبية الخاصة التي لا تراعي ولا تتجاوب مع متطلبات ثبات سرعة ونتائج النسبية العامة، وعليه يحتاج الأمر إلى محاصرة النسبية الخاصة والثبات على تعديل عوامل التأثير في النسق العام لتطوير العلاقات بينهما وتحسين نتائج النسق العام .
إن الحقيقة تتقاذفها مؤثرات الأيدي الماهرة التي تنفض عنها الغبار لتحافظ على صحتها في مقابل عوامل كثيرة تريد اخفاءها عملا بنسبية الحقيقة.
وحتى إذا اعتبرنا النسبية من أفضل ما أنتجته فيزياء القرن العشرين، وأن نظرية النسبية رأت الأمور على أنها غير كاملة و غير مطلقة، وحاولت تثبيت مفاهيم أساسية غير قابلة للزحزحة مثل المكان والزمان والمادة.
حيث بدا الماضي ليس بالضرورة أفضل من الحاضر، بل إن العلم في حالة تراكم ينمو بالحذف والإضافة بحثا عن التكيف. وأن ما أنجزه الاولون يمكن أن يفعل خيراً منه المعاصرون، وبشروط تقنية أفضل وبتوازن اكبر، لدرجة استطاع معها التطور العلمي أن يفك معضلات كونية معقدة. واخترع أدق الموجودات في نواة الذرة، بل ونقل طاقة الشمس للاستخدام، و يتجه نحو ابتكار تقنيات السفر عبر الزمن .
فالنسبية قلبت تصوراتنا للمفاهيم وأبعدتنا عن التنميط الفهمي، وأصبح كل ما في الكون نسبي حتى الزمن، واصبحت الحقائق بهذا الحجم قابلة للمراجعة، وأصبح معها قتل الناس بعضهم بعضاً من أجل الرأي امتحانا لنسبية التعايش بإنهاء حياة الآخر ، وفرض نسبية التحكم بعلم الوجود بالاعتماد على الموجود بوجهيه المادي والطاقي. لكن الشيء الوحيد الذي خضعت له النسبية هو سرعة الضوء، وعملا بنسبية التنبؤ بفروق كيفية في السلوكات عبر الزمن والخبرة، وافتراض ثبات التطور بالنسبة لمعظم الأفراد، وبالتماسك البنيوي في كل مرحلة، أبان عن درجة تناقض و تفاوت المظاهر السلوكية المختلفة في مجموعة من الخصائص، اضافة إلى التحلل التدريجي للبنيات من مرحلة إلى أخرى. فيبقى الإدراك نتيجة مباشرة لعمليات التنبيه الخارجي لما قد يحصل من نتائج سلبية، حيث نجد الحاجة للمعالجة المتكاملة للأوضاع، بعد الاستفادة من الجوانب الإيجابية لجهود العلماء والباحثين، على اختلاف اتجاهاتهم، لكون منطق العلم يفترض الربط بين مستوى التقدم وبين درجة تكامل واستقرار النسق العام. وتوجيه الأنظار نحو ضعف الإدراك للنسبية المميتة للتطور وإثارة ضعف قدراتها على التنبؤ كما تدل على ذلك الأوساط العلمية المتخصصة من شأنه ان يسبب شللا للنسق العام دون وعي.
وعليه يفرض المنظور التكاملي للتطور إعمال مقترب متكامل لتنظيف النسق المتحكم في التطور و الحد من امتداد النسبية المميتة للتطور وعدم السماح بإذعان الفاضل للمفضول والمهم للأقل أهمية، وعليه فإن تغليب المصلحة العامة على كل التفريعات المتعارضة مع الجوانب الإيجابية للمشترك يبقى الخيار الوحيد لتفادي تصدع نسق التوجه العام.
الدكتور احمد درداري
رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات – مرتيل