حسن نرايس يناقش واقع السخرية في مجتمعنا المغربي بين تمثلات الموروث و انتاج اليوم

بقلم سمير السباعي

playstore

يحتل الضحك مساحة انطلوجية في الوجود الانساني خاصة اذا اقترن بالفكاهة و السخرية كفضاءين للتعبير عن تناقضات الانسان في علاقته بالذات والمجتمع. ومن أجل مقاربة فكرية لهذا الموضوع داخل مشهدنا الثقافي وفي اطار اختتام فعاليات مهرجان سيدي مومن للمسرح الذي انعقد في الفترة ما بين 19 و 21 اكتوبر 2023 و المنظم من طرف جمعية معالم النور للثقافات بالدار البيضاء والفنون بدعم من وزارة الثقافة والشباب والتواصل و بتنسيق مع هيات عمومية اخرى وخاصة احتضن فضاء المركب الثقافي ابو عنان بالعاصمة الاقتصادية للمملكة ندوة فكرية حاول من خلالها باحثون في الكتابة المسرحية مقاربة موضوع السخرية والفكاهة و العمق الفلسفي للفعل المسرحي الفني المغربي من خلال نماذج مختارة. و قد اخترنا داخل هذه الفسحة الاعلامية تسليط الضوء على قراءة الكاتب المسرحي حسن نرايس لواقع الضحك في ارتباطه بتمثلات السخرية والفكاهة بين حضورها في موروثنا العربي و محددات انتاجها الانساني اليوم. لم يفت نرايس التاكيد على أن اهتمامه بهذا الموضوع انطلق مع كتاباته الاولى الموسومة بعنواني: الضحك والاخر صورة العربي في الفكاهة الفرنسية ثم السخرية و الفكاهة في التعبيرات الفنية المغربية، وهي محاولات جنينية أولى جعلت نرايس يقف على أهمية السخرية والفكاهة كجنس أدبي مستقل بذاته تعزز مع القراءات الفلسفية التي حاولت ان تقارب بعمق هذا التعبير الانساني خاصة مع غاستون باشلار. و قد كان نرايس حريصا على التأكيد بأن تتبع ممكنات الضحك من عدمها داخل كل تجربة انسانية تجعلنا قادرين على رصد المأساة الخاصة لهذه الأخيرة، طالما أن الضحك في عمقه هو رد فعل دفاعي يقوم به كل انسان من أجل مجابهة حالات القلق والغضب و التناقض الوجودي مستشهدا في هذا بسخرية قصص بخلاء الجاحظ لمجابهة دعاية الكرم العربي و أشعار العرب القدامى للتهكم على واقع المشهد العربي حينها. و بالتالي فحسب تحليل نرايس دائما السخرية جاءت لتكشف عن مفارقات هذا الوجود و لتجعل من النكتة كنتاج خاص بالانسان قادرة على اضحاك هذا الأخير وفي نفس الوقت التعبير عن الامه الدفينة. و حرص نفس المتدخل الاشارة الى ان المجتمع المغربي ظل حريصا عبر تاريخية ممتدة في الزمن على انتاج النكتة و الاستمتاع بها و تطوير متنها لمواجهة تحديات الواقع واكراهاته، و هو ما برز في أنماط الهزل والسخرية التي تفاعل من خلالها المغاربة مع ظرفية الحجر الصحي زمن كورونا خاصة أن البقاء الالزامي في المنازل فرض على فات واسعة الانغماس في التواصل عبر الوسائط الالكترونية و البحث عن تصدير مواقف السخرية المتفاعلة مع السياق العام الذي طبع تلك الفترة، ولتجعل من النكتة ملاذا جمعيا من مشاهد الالم و الحزن والفراق التي طبعت معيشنا اليومي خلال الجاءحة حينما كان الانين الانساني يملا صداه العالم و الأزقة والحواري تعلن عن فراغها الوجودي، عبر حكايات رحيل أسماء انسانية كانت تؤثت عالمنا الثقافي المغربي أمثال نور الدين الصايل و ثريا جبران و عزيز الفاضلي واخرون عبر مشاهد متكررة جعلت حفاري القبور يتألمون من تسارع حركة الموت حسب افادة حسن نرايس. لقد وجد هذا الأخير نفسه متفاعلا مع هذه الظرفية، من خلال انتاجه لكتاب خاص بعنوان السخرية في زمن كورونا سنة 2021 بمقاربة أدبية لتجارب انسانية أفرزتها الجاءحة قبل أن يقرر تحريك الشخوص داخل كتابة مسرحية اختار لها كعنوان “بقاو في ديوركم” في احالة على واقع الحجر الصحي ابان تلك الفترة من التاريخ الانساني العالمي. و قد كان هذا اللقاء الفكري فرصة لتوقيع حسن نرايس لهذا النص المسرحي المطبوع والذي جعل احداثه و مشاهده تدور حول ثلاثة شخوص عاشت تجربة كورونا بأنفاس انسانية متباينة وهي انسان ضرير و ممرضة وعامل النظافة. للاشارة فقد كان هذا اللقاء الثقافي مناسبة لمداخلات باحثين اخرين أمثال كمال فهمي الذي قدم قراءة في كتابه الأخير الفلسفة والفن والذي بدوره خلق تفاعلا من طرف الجمهور الحاضر خاصة انه ظهر كنتاج فكري حاول من خلاله المؤلف مقاربة انتاج عدد من النصوص المسرحية بحساسياتها الفنية المتنوعة من زاوية معالجة فلسفية ترصد عمق هذه الأعمال و جوهرها الفني. و قد عرف هذا النقاش الفكري تدخل مجموعة من المتدخلين الذين حاولوا عبر مداخلاتهم التفاعل مع ما جاء في هذه الجلسة الفكرية كاستفسار البعض حسن نرايس عن الفروق الابستمولوجية داخل تراثنا العربي بين مفهومي السخرية و الفكاهة وهو ما حاول نرايس التجاوب معه من خلال التأكيد على أن الهجاء كجنس أدبي تعبيري ساخر ظل حاضرا بقوة في ثقافتنا الجمعية منذ البدايات الأولى لفعلنا الانساني حيث شكل ذلك أساسا لبروز أشكال من السخرية سجلها تراثنا العربي سواء مع جرير الأخطل أو الفرزدق أو غيرهم من شعراء النقاءض الذين اختاروا ركوب موجة الشعر الساخر و هو ما جعل نفس المتحدث يدعو الى مزيد من البحث في متون من السخرية الشعرية القديمة خاصة للشمقمق و أبو ذلامة للكشف عن حضور هذا الشكل التعبيري في ثقافتنا، و تثمينا للمجهودات التي بذلها الراحل طه حسين في كتابه مع المتنبي. و لم يفت حسن نرايس الاشارة ولو سريعا الى ان السخرية تبقى و طيدة بكلمتين لهما حضور أصيل في اللسان العربي و هما التفكه والتهكم اللذين تم توظيفهما بقوة في اطار السجال و الصراع حول الحكم الذي طبع مرحلة من مراحل تاريخنا السياسي العربي خاصة في العصر الاموي. أما في المشهد الثقافي المغربي فقد ارتبط فن السخرية في ذاكرتنا الحالية بالثناءيات المتكررة التي فرضت نفسها بقوة على الساحة كثناءية العروبي والمدني والتي كانت تبتعد نوعا ما عن حسب نرايس عن العمق الصحيح لمعنى السخرية والفكاهة طالما انها كانت تسعى للترويج للشيء ونقيضه. طالما أن الضحك يظل معطى فلسفي عميق حسب نفس الافادة يساءل الذات المنتجة للاضحاك قبل المتلقي و يجعل من الضحك في بعض الاحيان يصل منسوبه حدا يمكن معه لحظة ميلاد موت متخيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

playstore
زر الذهاب إلى الأعلى