الهجرة الجماعية من الإتجار بالبشر سرا إلى البحث عن الشرعية العلنية

playstore

الهجرة الجماعية : ان تطور شكل الهجرة غير الشرعية من هجرة سرية و بعدد محدود، اصبحت جماعية و علنية و مؤطرة فايسبوكيا مما تثبت معه جريمة التحريض على القيام بالافعال التي يعاقب عليها القانون كالتحمعات غير المرخصة والدعوة لمغادرة التراب الوطني بدون قانون و نشر افكار عدائية تجاه الوطن و تيئيس البقاء و التشجيع على المغادرة، ذلك ان بناء مشروع الهجرة الجماعية والوصول الى الضفة الاوربية المؤطر بفكرة سياسية، اصبح موضة جديدة للتعبير عن السخط العام، وله اوجه مختلفة قد تظهر في المستقبل تحت مسميات وشعارات ستكون محرجة لدول اوربا ولدول الانطلاق معا، ذلك انه هناك من يراها غير ذات تأثير على الدولة، لكن شكلها الجديد لا يمكن معه نكران وجود خطر محتمل، والتعامل معها لا يقبل اتباع المنهجية الكلاسيكية، فقد تتطور الظاهرة لتتحول الى كارثة، خصوصا و ان العزم على الهجرة الجماعية يتنامى نتيجة الاحباط الذي كرسته توالي الازمات الاجتماعية، ومظاهر الظلم المختلفة اضافة الى غياب دور الحكومة وبعدها عن هموم الشعب، ناهيك عن تغذية الازمة وطنيا و دوليا، حيث استخدم الفضاء الازرق للتخطيط والتواصل عبر المواقع و الوسائط الاجتماعية لحشد التأييد وتحديد موعد الهجرة الجماعية، وجعلها كبيرة العدد، بينما جعلها علنية فهذا يدل على نهاية الخوف والاقبال على المغامرة و الأنتحار الجماعي، وقد يحتاج الامر الى قراءة و تعميق البحث و مساءلة عقل الدولة الاستخباراتي والتنموي بالخصوص، و عن كيفية السماح لمواقع التواصل الاجتماعي بتأطير الراغبين في الهجرة بشكل جماعي، و وصولا الى التأثير على قدرتها في مواجهة التحديات الامنية الداخلية الامنية. فلا ينفع الاكتفاء بتتبع ومحاكاة الوضع الدولي دون الاهتمام والنظر لما يقع على المستوى الداخلي والاقليمي. ذلك ان الشأن الداخلي و الصمت عن بعض القضايا يمكن ان يخلق متاعب اجتماعية وأمنية، وقد يحتاج المغرب الى احداث مؤسسة امنية متخصصة في الهجرة واللاجئين بمعية الاتحاد الاوروبي، ما دام عدد مهم من بين المهاجرين هم من الاجانب، اضافة الى ان اوربا هدف المهاجرين، الشيء الذي يعطي للهجرة الجماعية طابعا دوليا، والدول التي ضبط مواطنوها ضمن المشاركين في مسيرة الهجرة الجماعية لها كامل المسؤولية ايضا.

مسؤولية الاعلام الرسمي.
فعلى المستوى الوطني يلاحظ غياب التسويق الاعلامي للعدد الكبير و حجم المشاريع التي عرفتها بلادنا، و عدم ربط المنجزات التنموية بالطموحات الشعبية والتثقيف التنموي،حبث بقي التواصل الاعلامي العمودي الرسمي محدودا ان لم نقل غائبا عن ايصال انشطة الحكومة لعقول المواطنين، والسؤال هو لماذا لم يتحقق الاعتراف بالاجماع حول منجزات الدولة والحكومات منذ الاستقلال؟، ولماذا ابقاء هذا التباعد بين الحاكمين والمحكومين؟ صحيح ان الوضع المأزوم يضمن بطاقة العودة للحكم بالنسبة للمعارضة السياسية، حيث هناك من يرى ان اضعاف وعي المواطنين يجب ان يبقى كرصيد لانجاح العملية الانتخابية بين الأغلبية والمعارضة، وانه كلما بقيت الازمة متفاقمة الا وبقيت مبررات اجراء الانتخابات و التناوب على السلطة. فإلى متى ستبقى الازمة الاجتماعية موضوع صراع بين السياسيين وسيلة ضغط دون وجود مخاطب رسمي في الدولة مستقل يجيب عن تساؤلات المواطن و يتلقى شكاياته و طلباته ولو في أبسط شروط الحياة ويقدم حلولا لمشاكله، للتقليص من اسباب الاحباط و اليأس والتدمر والسخط، والحد من التمرد على الانتماء للوطن. حيث ان غياب التواصل مع المواطنين دفع بعضهم يتواصلون مع اعداء الوطن الذين ظهرت بصماتهم في منهجية التعاطي والتحامل على المغرب ورموزه ومكتسباته وكرامة المغاربة من خلال تقبيح الانتماء الهوياتي واهانة ما تحقق من اصلاحات و الضغط على زر الازمة لضرب السلم الاجتماعي والاستقرار و تعطيل الاوراش التنموية التي هي قيد الانجاز…
وعليه لا يمكن للسياسة ان تمارس بعيدة عن حياة المواطنين اليومية والاحتكاك المباشر معهم، لان ذلك يزيد من ارتباك النسق السياسي واستنزاف القدرات الامنية للدولة على حساب عبث المسؤولين و السياسيين الشيء الذي سيؤدي الى تدهور الحياة السياسية والاجتماعية.
ويبدو خطاب 9 مارس 2011 على انه هو المرجع الحقيقي للتنمية ودفتر التحملات السياسية للدولة، لكن جله تم اجهاضه بسبب تعنت النخبة السياسية وانتقاصها من قيمة مضامين هذا الخطاب الملكي، ويجب العودة اليه لاعادة ترقيم الالتزامات وترتيب الاولويات ومساءلة كل فاسد يحاول أن يثقل الوضع بالمزيد من المشاكل لكي تطوى صفحة المحاسبة. بل وحتى الدستور لم يعطي للمواطنين الحق في التنمية كاملا حيث خص السياسات العمومية التي تعنى بحياة المواطنين بجلسة برلمانية واحدة في السنة فقط بالاضافة الى اقتسامها بين القطاع العام والقطاع الخاص كالتعليم والصحة والتشغيل … واضعاف الجزء العمومي لفائدة الخواص مما يدل على تنصل الدولة من واجباتها وابتعادها عن الدول التي تفتح شهية الهجرة اليها امام المواطنين الذين لا يهتم بهم القطاع العام ولم يتوفرون على إمكانيات القطاع الخاص، بيننا الساسات العامة فمنحها الدستور جلسة برلمانية كل شهر وهي الموضوع الحقيقي لمساءلة الحكومة.
مسؤولية الحكومة.
طبعا الحكومة لم تعد موضوع ثقة الشباب امام تفشي البطالة وغلاء الاسعار، مقابل تدني الاجور التي لم تعد تساير كلفة الحياة، لكنها ليست مسؤولة وحدها، بل جميع المغاربة يقتسمون المسؤولية كل من زاويته، وزير وموظف واستاذ وطبيب ومحامي وقاضي وتاجر و مدير شركة ….الخ. فالجميع يساهم في سوء تدبير المسؤولية سواء تعلق الامر بالقضايا الادارية او الاجتماعية او المالية … وان ثقافة الغش متجدر في ثقافتنا، مما جعل من التنافس حول كلفة الحياة لا يعطي النتائج إلا بالغش او بالفوضى، وان الطموح في حياتنا محصور فيما هو مادي والتطلع الى حياة البدخ دون القيام باي جهد او عمل متساوي مع المستحق، ولم تعد القناعة مبدأ يلف مستوى العيش ويقر بالنصيب والقسمة من الارزاق.
مسؤولية الطبقة المتوسطة.
بالنظر الى الطبقة المتوسطة نجدها اما انها رافضة للقيام بأدوارها او تم دفعها نحو ذلك، والامر اصبح مختلفا بحيث انه بسبب تقابل وصراع الفقر والغنى، دون فصل الطبقة المتوسطة بينهما، ذلك ان شيوع فكرة عدم جدوى التمسك بقيم القناعة وقيم الأخلاق الاجتماعية و التدرج في البحث عن المال وتطوير الحياة و توزيع الادوار بشكل تكاملي و غير مباشر لتصحيح الفارق بين الطبقات الاجتماعية وتقريب مستويات العيش، لا يمكن معه القول بالاعتراض او حجب امكانية المملكة المغربية احتضان كل ابناء الوطن، بل ذلك امر مرفوض، لان جميع المغاربة بقوة القانون متساوون في الكرامة و ان كانوا غير متساوين في مستوى العيش، ولا يمكن اسقاط الفيلم الهندي حياة الماعز على الشعوب العربية لمجرد ان هذه الدول لم تستطيع القضاء على الفقر و تنميط القوانين ومحاصرة البؤس بنفس الاساليب والمقاربات في دول الضفة الشمالية.
مسؤولية الاسر عن نفسها وعن ابنائها.
معلوم ان الاسرة تعلم جيدا ان مغادرة التراب الوطني بدون قانون مخالف للقانون، ومعلوم ان القاصرين مكانهم الحقيقي في المؤسسات التعليمية والتكوين، وان الاسر مسؤولة عن الابناء القاصرين، والتحريض والتشجيع على الهجرة مخالف للقانون.
فاذا كانت جودة القوانين هي الفرق بين الدول وان الحقوق والواجبات مسطرة بشكل جيد في الدول المتقدمة، فان النظر الى الدول الاقل من المغرب امر مرفوض بل على الدولة ان تعمل على تقريب جودة القوانين و مستوى عيش المواطنين من مستوى باقي المواطنين في الدول الاوربية، وان التغني بالتنمية في ظل وجود فوارق اجتماعية شاسعة لا يقبلها العقل، وستزيد من حدة الفقر والبطالة، و الحل يكمن في توفير العمل للجميع مقابل اجور معقولة والزام القطاع الخاص باحترام ذلك يبقى التحدي الحقيقي امام الدولة وخضوع الحميع للقانون غاية الغايات، كما ان تأطير المواطنين من خلال الخدمة العسكرية والعمل التطوعي والتركيز على تعليم بجودة وتكوين لكل ابناء الوطن سبيل النجاح والازدهار وصون الهوية. كما ان المراقبة لمواقع التواصل الاجتماعي، ومحاصرة الأفكار السلبية والسالبة للهوية الوطنية لابد منها خصوصا اننا امام الزحف الهيستيري لمشروع العولمة الثقافية المميتة للخصوصية.
مسؤولية المتربصين.
ان التاريخ يدون كل الافعال والاقوال، و لا يمسح اثر الاحداث مهما كانت الظروف والتقلبات، فقضية الاعداء سواء داخل المغرب او خارجه، ليست بالغريبة، ولكن مهما كان التآمر فان السيادة ثابتة و لا يمكن التذرع بوجود أعداء لتضليل الطريق الصحيح الذي رسمه وطننا، او الانتقاص من السيادة، فالمغرب على الدوام يتعرض للتآمر و يستغل الأزمات و يضحض الباطل بالحق والمزاعم بالوقائع والكذب بالدليل. فالثابت ان العداء دليل قاطع على النجاح.
الدكتور احمد درداري رئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

playstore
زر الذهاب إلى الأعلى