الذكرى الفضية لعيد العرش المجيد : تعزيز حقوق المرأة في عهد الملك محمد السادس

playstore

دة.فاطمة ملول أستاذة التعليم العالي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس

شهدت حقوق المرأة في المغرب تحولات كبيرة خلال عهد الملك محمد السادس، منذ توليه العرش عام 1999م، اتخذ الملك محمد السادس خطوات جريئة وإصلاحية لتعزيز مكانة المرأة في المجتمع المغربي، حيث أصبحت قضية تمكين المرأة جزءاً أساسياً من الأولويات الوطنية.

وذلك انسجاما مع روح الشريعة الإسلامية ومبادئها القيمة الداعية إلى تكريم المرأة وحماية حقوقها كافة مساواة مع الرجل، فقد قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْأُنثَىٰ  وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَاكَانُوا يَعْمَلُونَ). سورة النحل الآية 97.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما النساء شقائق الرجال» أخرجه أبو دود في السنن.

وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا واستوصوا بالنساء خيرا» أخرجه الترمذي في السنن.

كما أقر الدستور المغربي مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في التمتع بمختلف الحقوق والحريات وذلك انسجاما مع القوانين الدولية التي صادق عليها المغرب وفي إطار الثوابت  والقوانين الوطنية، حيث نص الفصل 19 من الوثيقة الدستورية على ما يلي: ” يتمتع الرجل والمرأة،على قدم المساواة ،بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية،الواردة في هذا الباب من الدستور،وفي  مقتضياته الأخرى،وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكلذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.

تسعى الدولة إلى تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء.   وتُحدث لهذه الغاية،هيئة للمناصفة ومكافحة كل  أشكال التمييز”.

ومن أبرز الإنجازات بالمغرب في هذا السياق، إصلاح مدونة الأسرة في عام 2004، التي جاءت لتعزز حقوق المرأة في الزواج والطلاق وحضانة الأطفال، وتجعلها أكثر مساواة مع الرجل في هذه الجوانب، كما عززت من الحماية القانونية للنساء والأطفال، وساهمت في تحسين أوضاع المرأة المغربية على مختلف الأصعدة.

بالإضافة إلى ذلك، عمل الملك محمد السادس على تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة والسياسية؛ فقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في نسبة النساء في البرلمان والمناصب الحكومية العليا، كما تم تعزيز دور المرأة في المجال الاقتصادي من خلال مبادرات وبرامج تنموية تستهدف تمكينها اقتصادياً ودعم المشاريع النسائية.

وقد قامت المبادرات الملكية بدور هام في تغيير النظرة الاجتماعية تجاه المرأة ودورها في المجتمع، حيث تم التركيز على التعليم والتوعية بأهمية المساواة بين الجنسين، مما ساعد في تحسين وضع المرأة وتعزيز حقوقها.

ويمكن القول إن عهد الملك محمد السادس قد شهد نقلة نوعية في مجال حقوق المرأة في المغرب، حيث أصبحت هذه الحقوق جزءاً لا يتجزأ من مشروع التنمية الشاملة الذي يسعى جلالته جاهدا لتحقيقه للبلاد؛فمما جاء في خطابه نصره الله وأيده بمناسبة الذكرى 23 لعيد العرش المجيد 30/07/2022ما يلي: “…إن بناء مغرب التقدم والكرامة الذي نريده،لن يتم إلا بمشاركة جميع  المغاربة رجالا ونساء في عملية التنمية لذا،نشدد مرة أخرى على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية في كل المجالات…”

أولا: مظاهر حماية المرأة من خلال قانون رقم:103.13

القانون رقم 103.13 هو قانون لمكافحة العنف ضد النساء في المغرب، وقد تم اعتماده في عام 2018، يعد هذا القانون خطوة مهمة نحو تعزيز حقوق المرأة وحمايتها من جميع أشكال العنف؛ من أجل إنصاف المرأة وجميع مكونات الأسرة بل وإنصاف المجتمع أيضا، لأن رد اعتبار المرأة وإنصافها هو إنصاف للمجتمع بأكمله، ويحتوي هذا القانون علىمقتضيات رباعية الأبعاد لمناهضة العنف ضد المرأة بأربع مستويات هي العنف الجسدي والنفسي والاقتصادي والجنسيحيث يحتوي على العديد من البنود التي تهدف إلى توفير الحماية القانونية والاجتماعية للنساء وتعزيز المساواة بين الجنسين.

تضمن هذا القانون تجريم بعض الأفعال التي لم تكن مجرمة من قبل مع تشديد العقاب مثل: تجريم ضرب المرأة وإيذائها عمدا (المادة الثانية منه والتي جاءت متممة للفصل 404 من القانون الجنائي)؛ وفي إطار التكفل بضحايا العنف من النساءنصت المادة العاشرة من القانون 103.13على أن: تحدث خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف بالمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف وبالمصالح المركزية واللاممركزة للقطاعات المكلفة بالصحة وبالشباب وبالمرأة وكذا للمديرية العامة للأمن الوطني والقيادة العليا للدرك الملكي.

تتولى هذه الخلايا مهام الاستقبال والاستماع والدعم والتوجيه والمرافقة، لفائدة النساء ضحايا العنف….

دون أن ننسى إشكالية العنف الرقمي ضد النساء الذي وصل إلى مستويات مقلقة حسب الإحصائيات الرسمية تقريبا مليون ونصف امرأة تعرضت للعنف الرقمي خلال سنة (2022) مما استلزم ضرورة التدخل الفوري لتطويق الظاهرة والحد من آثارها السلبية وتبني مقاربةجديدة بآليات، قانونية رادعة للعنف الجديد الذي تتعرض له المرأة المغربية.

وفي هذا المجال، قامت الحكومة بتنظيم الحملة الوطنية للتحسيس بمخاطر العنف الرقمي ضد النساء والفتيات، وقد سعت هذه الحملة إلى إبراز الوعي المجتمعي حول العنف الرقمي ومخاطره، وكذا تدارس سبل تعزيزالوقاية من آثاره وعواقبه.

 

ثانيا: تعزيز حقوق المرأة الأسرية والاجتماعية

إن الحرص الملكي على تعزيز مكانة المرأة المغربية تميز بتبني مدونة الأسرة سنة 2004 والتي تبرز النبوغ المغربي في البحث عن حلول متوازنة ومنصفة وعملية،في إطار مؤسسةإمارة المؤمنين، حيث تضمنت المدونة عدة بنود تهدف إلى حماية حقوق المرأة والطفل ووضعية الأسرة ككل.

وتتجلى أبرز هذه البنود في: رفع سن الزواج إلى 18 سنة (المادة 19 من المدونة)، ووضع الطلاق تحت مراقبة القضاء وإعطاء المرأة الحق في ممارسته (المادة 78 من المدونة)، واستفادة المطلقة من الأموال المكتسبة أثناء الحياة الزوجية (المادة 49 من المدونة)، وتقييد ممارسة التعدد بالنسبة للرجل باشتراط موافقة الزوجة الأولى وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 41 من المدونة؛ ومن الحقوق التي جاءت بها المدونة في هذا المجال أيضا حق الراشدة في أن تعقد زواجها بنفسها أو تفوض ذلك لأبيها أو لأحد أقاربها (المادة 25 المدونة).

وعلى ضوء هذه المكتسبات جاء الخطاب الملكي سنة 2005 ليعلن عن إقرار حق المرأة المتزوجة من أجنبي في منح الجنسية المغربية لأبنائها، وهومقتضى نصت عليه اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي أقرتها الأمم المتحدة والتي صادق عليها المغرب في 2001 حيث جاء في الفقرة الثانية من مادتها التاسعة أنه: ” تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها”.

كما حظي تشغيل المرأة المغربية بمكانة خاصة في ظل عهد جلالة الملك محمد السادس من خلال تشريع نصوص قانونية تتيح لها المشاركة في الإنتاج والمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية مع الرجل جنبا إلى جنب، بما يضمن حقوقها في إطار من المساواة ودون أي تمييز.

وكما هو معلوم فإن مدونة الشغل قد جاءت بالعديد من المقتضيات القانونية التي أسست لحماية خاصة للطبقة العاملة بشكل عام وللمرأة العاملة على وجه الخصوص، إلا أن أهم ما رسخته مدونة الشغل في هذا الإطار هو إقرار مبدإ المساواة بين الجنسين من حيث فرص الشغل، حيث يعد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة أحد الضمانات الهامة الذي يحول دون التمييز بين الجنسين في أحكام التشغيل، وتكريسا لذلك نصت المادة 9 من هذا القانون “… يمنع كل تمييز بين الأجراء من حيث السلالة، أو اللون، أو الجنس،…”، ومن بين المجالات التي يمارس فيها التمييز بين الجنسين مجال الأجور غير أن المشرع قد تدخل كذلك في هذا الإطار من خلال المادة 346 من مدونة الشغل التي تنص على أنه: “يمنع كل تمييز في الأجر بين الجنسين، إذا تساوت قيمة الشغل الذي يؤديانه”، إضافة إلى وضع مجموعة من الضوابط القانونية المتعلقة بتشغيل المرأة من قبيل منع قيامها ببعض الأعمال التي قد لا تتناسب مع بنيتها الجسدية مثل: تشغيلها في المقالع، وفي الأشغال الجوفيةالتي تؤدى في أغوار المناجم (المادة 179و 181 من مدونة الشغل)، وسن بعض القواعد المتعلقة بتشغيلها ليلا حسب مقتضيات المادة 172 من مدونة الشغل، فضلا عن ضمان حماية خاصة للأجيرة الحامل خلال الحمل وبعد الوضع حسب ما جاء في المادة 152و 153 من نفس القانون.

كما تم فسح المجال للمرأة المغربية لأول مرة بولوج مهنة العدول إلى جانب شقيقها الرجل بناء على القرار الملكي السامي أثناء افتتاح الدورة التشريعية الثانية للبرلمان 2018، وقد جاء هذا القرار استجابةً لتوصيات المجلس الأعلى للعلماء، الذي أبدى رأيه بجواز ممارسة المرأة لمهنة العدول بناءً على اجتهادات فقهية حديثة تأخذ بعين الاعتبار تطور المجتمع والأدوار التي يمكن أن تضطلع بها المرأة.

ثالثا: تعزيز مشاركة المرأة في المجال السياسي

شكل دستور 2011منعطفا حاسما في مسار تكريس حقوق المرأة ومشاركتها المدنية والسياسية من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات القانونية والمؤسساتية التي تحفظلها ذلك،سواء المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، أو بموجب نصوص قانونية منبثقة منها، وذلك في أفق تحقيق المناصفة كغاية دستورية تسعى الدولة ومختلف المؤسسات إلى بلوغها.

فقد نصت الفقرة الأولى من الفصل 30 من الدستور على أن:” لكل مواطن أو مواطنة، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية. وينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية”.

وبحسب ما جاء عن رئيس الحكومة بجلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب حول موضوع: “تمكين المرأة المغربية ورهانات التنمية”بتاريخ 17 يوليوز 2023 فقد عرفت الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، تحولات مهمة فرضت مراجعة الإطار القانوني المنظم للانتخابات، بما يضمن عملية انخراط المرأة في المسلسل السياسي الذي تعرفه بلادنا.

فكان ذلك مناسبة لتكريس التمييز الإيجابي للمرأة وتوسيع هوامش مشاركة النساء بمؤسسات التمثيلية، حيث شملت المستجدات ذات الصلة بالمشاركة النسائية توسيع مجال تمثيليتها إلى 90 مقعد مع إدماج البعد الترابي في توزيع المقاعد والتفاعل الإيجابي مع الديناميات المحلية التي تخلقها النساء.

وقد أفرزت انتخابات 2021 تطورا ملموسا في تمثيلية النساء بمجلس النواب، بحصولهن على 96 مقعدا.

ولقد انخرط مجلس المستشارين في هذا المنحى بشكل محترم، حيث أسفرت النتائج عن فوز 14 مترشحة بمقاعد برلمانية من أصل 120 مقعدا بالمجلس، أي بنسبة 12 في المائة.

كما تم انتخاب 3 نساء على رأس عموديات ثلاث مدن كبرى الرباط والدارالبيضاء ومراكش؛

فضلا عن انتخاب امرأة رئيسة لجهة كلميم وادنون، والتي تم انتخابها أيضا رئيسة لجمعية رؤساء مجالس جهات بالمملكة.

ولم يكن أمام الأغلبية الحكومية إلا التجاوب الإيجابي والانخراط الفعلي في هذا المسار المحفز عند تشكيل الحكومة، والتي تضم في تركيبتها 6 وزيراتمن أصل 28 منصب وزاري، بحقائب استراتيجية ومهمة، الشيء الذييعكس الإرادة السياسية للأغلبية لتمكين النساء من مشاركة فعالة وحقيقية في ممارسة التدبير العمومي من واقع ريادية داخل الجهاز التنفيذي.

ولم تتوقف ثقتنافي القدرات النسائية عند التمثيلية داخل الحكومة، إذساهمن في حضورها القيادي داخل منظومة المناصب العليا ببلادنا، وهنانذكر بأن تأنيث المناصب العليا بلغ ما مجموعه 619 منصب نسائي، أيبنسبة 19 % سنة 2022.

وفي الختام لا يمكن إلا التنويه بالمكتسبات الهامة التي حققتها المرأة المغربية خلال العقدين الماضيين بفضل حرص جلالة الملك محمد السادس على منح المرأة مكانتها التي تستحقها وضمان كافة حقوقها، وستبقى قضية المرأة ضمن أولى اهتمامات جلالته وفي طليعة الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية ببلادنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

playstore
زر الذهاب إلى الأعلى