نقاش فكري بالمحمدية حول واقع المشهد الإعلامي ببلادنا بين مهنية الأمس و رقميات اليوم

playstore

قلم: سمير السباعي
تشكل قراءة التجارب الصحفية لأسماء مغربية ساهمت في تشكيل جزء مهم من مشهدنا الصحفي مدخلا أساسيا لنقاش التحولات العميقة التي يعرفها هذا الأخير حاليا،في ظل سلطة الإعلام الجديد الرقمي و في ظل تغيرات مجتمعية يلتقي فيها المعطى المحلي والوطني بالتأثر بالظرفية الكونية. ضمن هذا السياق نظمت النقابة الوطنية للتعليم فرع المحمدية بمقر الكنفدرالية الديموقراطية للشغل بنفس المدينة لحظة فكرية قرائية في منجز الإعلامي و الإذاعي ميلود بكريم الموسوم ب”الإذاعة (الراديو ) النشأة و الأدوار و الذكريات” يومه الجمعة 19 يوليوز 2024 على الساعة السادسة مساء، حيث شكل هذا اللقاء الفكري مناسبة لجعل كتاب بكريم أرضية و مدخلا لرصد مآلات الممارسة الصحفية ببلادنا في ارتباط بعلاقتها الجدلية القديمة و الجديدة بما يصطلح عليه بالرأي العام. و من أجل أن نجعل هذه المادة الصحفية المكتوبة ذات أنفاس تفاعلية أكثر و دون الحاجة في الدخول إلى سردية الكتابة التقريرية يمكن إجمالا الإمساك بمحوريين أساسيين ، شكلا محركا للنقاش العام الذي عرفته هذه الندوة القرائية. مع الأخذ بعين الاعتبار لطبيعة الأسئلة المدخلية التي حاولت أن تؤطر أشغال هذه الجلسة الفكرية حينما تعلق الأمر أساسا بالحديث حول أهمية الحقل الإعلامي بمفهومه الواسع من المفروض أن يتفاعل بشكل عضوي مع حركية المجتمع، بما في ذلك المساهمة في تشكيل الذاكرة الجماعية بأحداثها المؤسسة لها و ذلك في تقاطع مع مسارات الفعل والإنتاج المجتمعي داخل الحقول الأخرى كالأدب والفن. بشكل طرح معه السؤال حول ماهية التناول الإعلامي لمنجزات هذه الأخيرة هل هي تقديمها في قالب إعلامي أم الأمر لا يقتصر فقط إلا على التوثيق؟! الأمر الذي حفز على طرح سؤال مدخلي آخر حول علاقة الإعلام اليوم بالشرط الديموقراطي وحق المواطن في الوصول إلى المعلومة(تفاعلا مع جزء من توطئة مدخلية لمسير اللقاء مراد كرداشي). بالنسبة للمحور الأول لهذه الندوة القرائية فقد ذهب النقاش فيه إلى محاولة الحديث عن ممكنات استمرار الإعلام اليوم والممارسة الصحفية على الخصوص في تشكيل ما يصطلح عليه بالرأي العام، خصوصا أن الثورة الرقمية التاريخية التي تعيشها اليوم ميادين الاتصال و التواصل على المستوى الكوني أنتجت معايير ممارسة صحفية جديدة بغض النظر عن ما تلعبه عدد من الوسائط التقليدية الأخرى من دور في إيصال المعلومة عبر حوامل اتصال متعددة يلتقي فيها الشفوي بالمكتوب و المصور بالرمزي بشكل ينتج تقاسا لهذه المهمة الإعلامية من طرف مؤسسات مجتمعية عديدة كمدارس التعليم والتربية الأمر الذي يفرز اختلافا في لغة التخاطب المعمول بها داخل هذا الخطاب الإعلامي أو ذاك مع يفرضه نفس السياق من تمايز على مستوى تلقي الخطاب نفسه من طرف الجمهور المعني، حسب ما يستشف من أنفاس الأحاديث بهذا المحور. لكن يبدو أنه رغم وجود سلطة للإعلام الرقمي بمختلف تجلياته على مستوى الممارسة اليوم فإمكانية الحديث عن القطيعة الابستمولوجية بين مختلف أنساق الخطاب الإعلامي في تاريخيته من المكتوب إلى السمعي البصري غير واردة حسب تحليلات غاستون باشلار المستشهد بها هنا، طالما أن كل نسق خطاب هو يكمل الآخر بشكل عملي إن لم نقل معرفي كذلك حسب ما يفهم من نفس مداخلة النقاش. وبالتالي فرصد أي خطاب إعلامي يحتاج إلى حد أدنى من القدرة على تفكيك خلفياته ووضعه في سياقه المنتج له كواقعة رفض عميد كلية منح جائزة التفوق لطالبة جامعية مغربية بحجة ارتدائها الكوفية الفلسطينية في سلوك لا يمكن استيعاب دلالاته بالنسبة للمتلقي دون أن يكون قادرا على فهم رمزية ذاك الشعار الفلسطيني و أبعاده التاريخية والسياسية، ما يمنح ربما نوعا ما الشرعية الموضوعية للحديث عن إمكانيات وجود رأي عام قابل للتشكل آنذاك كنتيجة مباشرة للتأثير الإعلامي الحاصل. ما يجعل مفهوم الرأي العام نفسه حاليا ما هو إلا نتاج أحكام و تمثلات شعبية أكثر منه معطى علمي قابل للرصد حسب أحاديث نفس المداخلة. و طالما أن الأمر كذلك فرصد أدوار الصحافة اليوم ببلادنا في علاقتها الممكنة بالرأي العام المغربي يبقى أساسيا لفهم طبيعة التحولات التي شهدها المشهد الصحفي المغربي خاصة بعد التراجع الملحوظ للمؤسسات الرسمية و الحزبية و الجمعوية العاملة في الصحافة و الإعلام عن زخم التأطير و التوجيه الإعلامي الذي كانت تمارسه بالأمس لصالح المجتمع عبر وسائطها التقليدية المعروفة بشكل كان معه نسبيا رصد معالم رأي عام موجود و متفاعل بعيدا عن ما يمكن تسميته اليوم بالفوضى الإعلامية التي أنتجتها الوسائط الرقمية الجديدة بقوة بشكل أدى إلى غياب المعنى في معظم المنجزات الصحفية الحالية التي أصبحت تشتغل إيديولوجيا تحت تأثير سلطة المال و الرغبة في معانقة الخبر إن لم نقل إنتاجه و المحقق لارتفاع منسوب التفاهة و تراجع روح المهنية و العمق الثقافي الذي كان يميز ممارستنا الصحفية سابقا حسب ما يرصد من نقاش حديث هذا المحور. (تفاعلا مع جزء من مداخلة الإعلامي والصحفي سعيد رحيم). أما المحور الثاني الذي بدى أنه محرك ثاني لأشغال هذه اللحظة الفكرية فقد ذهبت الأحاديث فيه إلى اعتبار أن التجربة الإذاعية لميلود بكريم المحتفى به في هذه الجلسة القرائية هي نتاج لتحولات تاريخية مست قطاع الصحافة و الإعلام بالمغرب الذي طالما كان في علاقة جدلية عضوية مع ما هو ثقافي نضالي محتمعي. و كما تمت الإشارة إليه فنهاية القرن العشرين و بداية الألفية الثالثة ببلادنا كانت مرحلة مفصلية ارتبطت برغبة الدولة في التناغم مع تطور السياق الكوني المتصاعد حينها الداعي إلى الانتصار لمساحات جديدة من حرية الصحافة والإعلام الأمر الذي أنتج سياق بروز القناة الثانية 2M سنة 1989 و في ما تلاه من تحرير للمشهد الإعلامي المكتوب أولا ثم السمعي البصري ثانيا ما سمح بظهور جرائد و إذاعات جديدة كمنابر صحفية مستقلة في خضم زخم إعلامي أريد له أن يعبر عن عن توجه رسمي متصاعد بالمغرب ذهب في اتجاه فتح آفاق جديدة تهم الحريات الفردية و الجماعية حسب ما يفهم من نفس أحاديث مداخلة هذا المحور. و قد شكلت التجربة الإذاعية التي عاشها الإعلامي ميلود بكريم عبر برنامج “ملف الأسبوع” الذي كان يقدمه على اثير إذاعة FM بالمعرض الدولي للدار البيضاء ما بين 2000 و 2005 مثالا حيا للسياق الإعلامي الجديد الذي ظهرت معالمه ببلادنا خلال هذه الفترة و لممارسة صحفية راهنت رغم قصر عمرها الزمني النسبي على إنتاج المعنى عبر الأثير، الأمر الذي حاول بكريم التوثيق و التأصيل له عبر منجز فكري التقى فيه العمق التوثيقي بالتأطير المفاهيمي لمصطلحات الحقل الإذاعي و بصدقية الإعلامي و الفاعل التربوي الذي عمل على استثمار الإذاعة كمساحة لإنجاز حوارات صحفية مع شخصيات و أعلام فاعلة في المجتمع للتجاوب مع قضايا وانشغالات المواطنين بحس صحفي نجح نوعا ما، في التغلب على إكراهات كواليس العمل الإذاعي بما يشمل ذلك أساسا الانتصار لجودة المواضيع المطروحة و حسن الإعداد الصارم لهكذا برامج حوارية مع تدبير لبياضات الحوار في الإذاعة و جعل صوت الأثير قابلا لنقل أنفاس الحديث الحواري بما يمكن هذا المستمع أو ذاك من تمثل الموضوع، إلى جانب إكراهات أخرى تتمثل أساسا في تدبير تأخر أو تخلف بعض الضيوف عن الحضور بشكل برهن نوعا ما عن رغبة بكريم في الحفاظ على تعاقد أخلاقي مهني مع جمهور المستمعين حينها للبرنامج بعيدا عن أعطاب المشهد الإذاعي اليوم ببلادنا الذي أصبحت أغلب أنفاسه ناطقة بخطاب التفاهة و الممارسات الغير مهنية على الأثير حسب ما نطقت به مداخلة هذا المحور. و من ما لاشك و حسب هذه الأخيرة فالإذاعة المغربية بالأمس كانت رافدا مساهما في تثقيف المجتمع و تشكيل وعيه الجمعي و حسه الجمالي عبر عدد من البرامج و المنجزات الأثيرية التي لا تزال ذاكرة المستمعين المغاربة تستحضرها بعمق و جداني مثل سلسلة الأزليةالشهيرة للراحل محمد حسن الجندي. (تفاعلا مع مداخلتي الإعلاميين عبد العزيز كوكاس و ميلود بكريم) و تبقى مثل هذه اللقاءات ذات أهمية كبرى لأنها تساهم في رصد رهانات و آفاق العمل الصحفي اليوم بالمغرب بين ما تفرضه المهنية وأخلاقيات المهنة من ضوابط و بين ما تمارسه الرقميات الجديدة من سلطة قهرية في تشكيل و توجيه الراي العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

playstore
زر الذهاب إلى الأعلى