أقلام حرة

جيل زد بين الشارع والدستور: هل آن الأوان لتفعيل روح 2011؟

بقلم: محمد حارص – مدير نشر مجموعة صفرو بري

تشهد مختلف المدن المغربية منذ أسابيع دينامية شبابية غير مسبوقة، تقودها فئة أطلق عليها إعلامياً “جيل زد”؛ أي الشباب الذين وُلدوا في زمن الرقمنة والانفتاح، ويتواصلون عبر وسائط جديدة، ويعبرون عن آرائهم بحرية غير معهودة في الأجيال السابقة. هذه الاحتجاجات، التي تنوعت في شعاراتها ومطالبها، كشفت عن عمق التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المغرب، وعن المسافة الفاصلة بين النصوص الدستورية الطموحة والواقع العملي الذي ما يزال متعثراً في ترجمتها إلى مؤسسات فاعلة وسياسات منصفة.

منذ إقرار دستور 2011، تعهّد المغرب بفتح آفاق جديدة أمام الشباب، عبر التنصيص في الفصلين 170 و171 على إحداث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، كمؤسسة دستورية تُعنى بدراسة وتتبع قضايا الشباب وتقديم اقتراحات للنهوض بأوضاعهم. كما جاء القانون 15.89 لسنة 2018 ليمنح هذا المجلس صلاحيات واسعة، منها إنجاز الدراسات وإبداء الرأي في القضايا المرتبطة بالشباب والعمل الجمعوي، واقتراح سياسات تشجع المشاركة المواطِنة وتفجر الطاقات الإبداعية للشباب المغربي.

لكن بعد مرور أكثر من عقد على الإصلاح الدستوري، يطرح شباب جيل زد سؤالاً جوهرياً: أين نحن من هذه الوعود؟ ولماذا بقيت مؤسسات المشاركة الشبابية حبيسة النصوص والوثائق، دون أن تترجم فعلياً إلى صوت مؤثر في السياسات العمومية؟

جيل زد اليوم لا يطلب المستحيل، بل يطالب بما نص عليه الفصل 33 من الدستور نفسه: توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، وتيسير ولوجهم إلى العلم والعمل والثقافة والرياضة، وتوفير الظروف الكفيلة بتفجير طاقاتهم الخلاقة. هذه المطالب ليست جديدة، لكنها تأخذ اليوم طابعاً استعجالياً في ظل التحولات العالمية المتسارعة، وتراجع الثقة في الوسائط التقليدية للتمثيل السياسي.

الاحتجاجات الأخيرة يمكن قراءتها كصرخة جيل وُلد في زمن العولمة الرقمية، ولم يعد يقبل بلغة الوعود أو المقاربات القديمة. جيل يريد أن يُرى ويُسمع، لا عبر تقارير أو شعارات، بل من خلال سياسات فعلية تضمن له الكرامة والفرص والاعتراف بمكانته كشريك في صناعة القرار.

لقد آن الأوان لإعادة قراءة دستور 2011 بروح جديدة، تجعل من الشباب محوراً حقيقياً في التنمية والديمقراطية التشاركية، لا مجرد موضوع للنقاشات الموسمية. فالتاريخ يعلمنا أن الدول التي لم تُحسن الإصغاء لشبابها، دفعت ثمناً غالياً في الثقة والاستقرار.

جيل زد لا يبحث عن القطيعة، بل عن الاستمرارية في الإصلاح، وعن مؤسسات تصغي له وتحتضن طموحاته، لا مؤسسات صورية تُنشأ فقط لتجميل المشهد. ومن هنا، يصبح تفعيل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، بما يضمن استقلاليته وفعاليته، مدخلاً أساسياً لاستعادة الثقة بين الدولة وشبابها، وترجمة حقيقية لروح دستور 2011 الذي وعد بجعل المواطن في صلب القرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى