أقلام حرة

بيان الأغلبية… كثير من الكلام، قليل من الفعل

محمد حارص – مدير نشر المجموعة الإعلامية صفرو بريس
مرة أخرى، اجتمع قادة الأغلبية الحكومية وخرجوا ببيان طويل عريض، يليق أن يُعلَّق في قاعة انتظار مؤسسة رسمية، أكثر مما يليق أن يُقرأ على شعب أنهكته الأسعار والبطالة والأزمات. البيان، كالعادة، يفيض بالتأكيدات: “تؤكد، تجدد، تثمن، تنخرط”… وكأننا أمام آلة تسجيل مكررة، لا حكومة تدب فيها الحياة.

البيان يقول إن الحكومة “تنصت للشباب”. عجيب! شباب المغرب لا يحتاج إلى سماعات رأس إضافية، بل إلى شغل، إلى كرامة، إلى أمل. أما أن يُكتفى بترديد أسطوانة الحوار والمؤسسات، فهذا أشبه بتهنئة العطشان على صبره بدل أن تُقدَّم له قطرة ماء.

أما الصحة، فحدّث ولا حرج. البيان يقول: “الإصلاح لا يُقاس آنيا”. فعلاً، هذا صحيح، لكن المرضى في المستشفيات لا يملكون رفاهية الانتظار لعقد من الزمن، بينما يبحثون عن سرير أو حقنة أو دواء غير مفقود. الإصلاح الذي لا يشعر به المريض اليوم، هو مجرد وعد فارغ يُؤجَّل إلى أجل غير مسمى.

وفي الاقتصاد، كالعادة، “سنواصل خلق فرص الشغل، وسندعم الاستثمار، وسنقوي الحماية الاجتماعية”. شعارات جميلة، تصلح للحملات الانتخابية، لكن الواقع يقول إن الأسعار ترتفع، والقدرة الشرائية تنهار، والطبقة المتوسطة تتبخر، والفقراء يتكاثرون كما يتكاثر خطاب الأغلبية.

أما ما لم يقله البيان فهو الأهم: لم يذكر الغلاء الذي يلهب الجيوب، لم يعترف بفشل وعود انتخابية كانت قبل أربع سنوات بحجم السماء، ولم يتوقف عند الأزمة الأخطر: أزمة الثقة. المواطن لم يعد يصدق البيانات ولا البلاغات، لأنه جرّبها مرارا ولم يجد منها سوى الكلمات.

باختصار، بيان الأغلبية يشبه وصفة طبيب يعطي المريض حبوبا وهمية ويطلب منه أن “يصبر قليلا”. لكن المريض هنا شعب كامل، والشعب لم يعد يقبل بالمسكنات. فالكلام الجميل قد يُرضي قادة الأحزاب الثلاثة حول طاولة الاجتماعات، لكنه لا يُشبع أسرة تبحث عن لقمة عيش، ولا يُنقذ مريضا في طوارئ، ولا يفتح أفقا لشاب عاطل.

البيانات لا تحكم الدول. ما يحكمها هو الفعل. والأغلبية اليوم، للأسف، تحسن إنتاج البيانات أكثر مما تحسن إدارة الأزمات. ولهذا فإن حكومة أخنوش أصبحت أكثر من أي وقت مضى مطالبة بالرحيل، لأن المغرب لا يحتاج لمزيد من البيانات، بل إلى حكومة تمتلك الشجاعة والقدرة على الفعل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى