كُتَّاب قتلوا قراءهم

بقلم : أمينة أوسعيد

playstore

ط
تختلف قصصنا وملامحنا.. تختلف أفكارنا.. كلٌّ حسب شخصيته وكل حسب ما صنعت به الحياة والظروف.. منا المتفائل ومنا المتشائم. منا القوي ومنا الضعيف.. أعرف أنه لا جديد فيما أقول.. لكن هناك نوع من الأفكار التي تلتف حول رقاب أصحابها كحبل المشنقة فتتركهم معلقين بين الحياة والموت هذا إن لم تقضي عليهم.. هناك نوع من الأفكار تبني سجنا عالي الأسوار فتحجب عن صاحبها رؤية العالم وما يحدث خارج أسوار هذا السجن الذي لن يغادره طوعا أو قسرا.. هناك من يعيش داخل رأسه المثقل بالأفكار السوداوية ويرفض أن يتسرب ضوء الأمل إلى روحه العليلة… هناك من يرضى أن يعيش عبدا لأفكاره ويصبح جثة تسير بين الناس ينشد السلوى في الموت فيتمنع عنه..
ربما يرى البعض أنني بالغت بشكل كبير في إيلاء أهمية للأفكار.. وهناك من يرى أن الإنسان كائن عاقل لا يمكن أن يسمح لحفنة من الأفكار البغيضة أن تستوطن عقله وتجعله يزهد في الحياة ويرغب في الموت.. كلا.. لا مجال للمبالغة هنا.. وكل حرف في مقالي هذا بنيته على وقائع من صلب الحياة.. هناك من قرأ لصامويل بيكيت هذا الكاتب الإيرلاندي الذي عاش مكتئبا منذ طفولته واعتزل الناس حتى مماته وظل سجين التشاؤم.. عدوى تشاؤمه تسربت للكثيرين وتشربها كل ضعيف كان يبحث عن مبرر مقبول ليتكئ عليه وهو يخطو نحو هاوية الفكر السوداوي.. هناك من تبنى أفكار إميل سيوران الذي كرس حياته لتمجيد الموت والخلاص لا يمكن أن يكون إلا في الانتحار.. هناك من اشترى بضاعة سيوران السوداء وأنهى حياته بينما ظل هو يتمتع بمداخيل كتبه فبائع السم لا يتذوقه.. هناك نوع من القراء الذين لا يتركون مسافة أمان بينهم وبين ما يقرأون وينغمسون بشكل مفرط في ذات الكاتب وفكره ويمعنون في إسقاط ما يقرأونه على حياتهم ويسقطون في فخ التقمص والانصهار التام في أفكار الكاتب..
ستقولون كيف؟؟ هذا لا يمكن البثة.. الذي يقرأ عن غير وعي وبتأثر كبير يكون ضحية ما يا يقرأ من أفكار.. دعوني أخبركم عن قصة الرواية التي كتبها الكاتب الألماني الشهير يوهان غوته والتي تحمل عنوان” آلام فرتر.. هذه الرواية سميت بالرواية القاتلة لأنها تسببت في انتحار أزيد من 2000 شخص في أوروبا بشكل متفرق لكن القاسم المشترك بين جميع الضحايا هو طريقة الانتحار. طبعا لم يخطر في بال غوته أن الكثير من الشبان سيتبعون خطى الشاب فرتر، حيث
جائت تقارير تتحدث عن حالات إنتحار متعددة في دول أوروبية مختلفة لشباب يرتدون معطفا أزرقا وسروالا أصفرا ، وفي الواقع كانت تلك الألوان هي نفس ألوان الملابس التي كان يرتديها بطل الرواية عندما قام بقتل نفسه؛ وتم العثور على هؤلاء الشباب المنتحرين في المنازل وفي الشوارع وخلف الجسور وكل واحد منهم كان قد أنتحر بطلقة من مسدس ناري، وكل منهم أيضاً قرأ رواية “ألام فرتر” .. ربما ليس هذا المثال الوحيد وحتما توجد قصص متشابهة لكتاب قتلوا قراءهم عن غير قصد.. لكن في النهاية تكون بعض الأفكار لعنة تلاحق أصحابها ومن يتبعونهم عن غير هدى..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

playstore
زر الذهاب إلى الأعلى