“يَا أنا يا مُك”

أمينة اوسعيد

playstore

عندما طلبت مني أمي أن أحرر مقالا عن الحماة وعلاقتها بِكَنَّتِهَا، احترت في صياغة هذا الموضوع الشائك، لكني وجدت بالمقابل قلمي متلهفا ليسكب ما في جعبته دون تردد…
إن كانت حرب البسوس، استمرت أربعين سنة، فالصراع بين الزوجة وحماتها مستمر، مادامت السماوات والأرض. عقدة تتوارثها الأجيال، ولم يتجرأ بعدُ أحد على فك خيوطها المتشابكة، دور تتعاقب على لعبه كل امرأة. زوجة اليوم، تصبح حماة الغد، بعد مرور بضع سنين. وكل واحدة منهن تنسى ذلك عندما تُعكس الأدوار. خلافات تنبت في جسم الأسرة، وتزداد تعقيدا، بتعنت أحد الطرفين، صراع أبدي، لا يسلم منه أحد ولا ينفع معه رقي الشخص، ولا حتى رصيده الثقافي والمعرفي. أعذار، وشكوى، ودموع، تُرَصُّ كوجبة غنية فوق مائدة الزواج، فيصبح الكل ضحية الكل.
زوجة تدخل بيت الزوجية، ورأسها كبالون، محشو بالأفكار النمطية، قابل للإنفجار في أي لحظة في وجه من يستفزه. تجر إضافة إلى حقيبة ملابسها، حقيبة صغيرة، جمعت فيها معلومات، ونصائح من أمها وجدتها وصديقتها عن عدو مفترض وهو حماتها، وتجارب سلبية استقتها من المجتمع، فتعمد إلى تجهيز خطة للتعامل مع حماتها، انطلاقا مما ملأت به آذانها وحقيبتها..
وحماة ترى في زوجة الابن، سارقة، ومنافسة على حب ولدها، وفلذة كبدها، فهي التي ربّت وسهرت وكبّرت، ثم سلمت ثمرة مجهودها لأيدٍ لا تراها آمنة في أغلب الأحيان، لتبدأ معركة حامية الوطيس لا تضع أوزارها، خصوصا إذا كانت الحماة والزوجة تتقاسمان نفس البيت. كما يزداد طين الحماة بلة، إن كان لديها أكثر من كنة.حيث يضعن يدا فيد، فتشكل الكنات حلفا ويحاربن في جبهة واحدة ضد عدوهن المشترك…
بين “أمك قالت” و”زوجتك فعلت” يتمزق الزوج، ويصبح حكما لخصمين، أقربهما عزيز، وبين مطرقة الزوجة وسندان الأم، يقوى الطرق فوق رأسه، وَتَعْوَجُّ حيلته، فيدخل في دوامة الحيرة، ويصبح طرفا ثالثا في حرب النساء. إن انحاز إلى صف أمه، فهو ضعيف الشخصية وابن أمه، وإن لزم صف زوجته، فهو مسحور وخاتم في أصبع زوجته.
وهكذا تتأرجح الكفة حسب شخصية كل زوج، ومدى تعلقه بالطرف الذي يمارس عليه ضغطا أقوى، فتكون النتيجة في النهاية إما بطاقة حمراء يشهرها الزوج في وجه الزوجة، والطرد خارج حياته، أو يوصل أمه إلى أقرب دار للمسنين، فيشتري خاطر زوجته وراحة باله من نقير نخر جمجمته، ويبيع الجنة التي وضعها الله تحت أقدام أمه…
قليل من يمسك العصا من الوسط ويدبر اختلاف الطباع والتربية وأشياء أخرى كثيرة، بحكمة وصبر، ويُسكت صوت أناه لتستمر الحياة في هدوء وسكون. لا الزوج ولا الزوجة ولا الحماة ينبغي أن يشدُّوا الحبل بينهم، ويخوضوا حروبا تافهة خسائرها فادحة، تكسر خاطر الجميع، فكل طرف له مكانته الخاصة في قلب الآخر، ولا يجب إرضاء الزوجة على حساب الأم في الأمور التي تحتاج إلى الحزم وموقف صارم، حتى لا تقول الأم: “أبنائي كانوا أبنائي قبل أن يتزوجوا” ولا يجب قهر الزوجة وظلمها فقط لإرضاء غرور الأم أو التشبت برأي لا يصب في مصلحة الجميع، فتقول الزوجة: “حسبي الله ونعم الوكيل فيمن كان سببا في تشتيت شملي”.الحياة لا تخلو من المشاكل، وتبقى الوسطية والاعتدال حلا ناجعا في التعايش مع الشد والجذب الذي تفرضه الضغوطات اليومية في حضن أي أسرة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

playstore
زر الذهاب إلى الأعلى