وفاء لذكرى المرحوم رشيد الحضري: فوز “الروفيج” كأنفاس مسرحية مغربية نطقت بذاكرة ألم نساءي كوني ضد العنف الذكوري
قلم: سمير السباعي
تشكل معانقة عدد من الطلبة داخل الجامعة المغربية للفن المسرحي ممارسة أصيلة دأبت على الاضطلاع بها مجموعة من تم الكليات ببلادنا سواء على مستوى تنشيط عدد من مسالك التكوين والبحث المتعلق بالمسرح و أدوات اشتغاله و أسئلته البحثية أو على مستوى إشراك و دمج الطلبة المعنيين في أعمال مسرحية من مساحات إنجاز متنوعة خاصة من موقع التشخيص و ذلك في إطار ما يعرف بالمسرح الجامعي.
وهو ما جعل بعض العروض المسرحية المنجزة حاليا تنجح إلى حد ما في الظهور كأعمال فنية ناطقة بمجهود إبداعي ملحوظ، خصوصا أن منها من اختار مواضيع ذات دلالة اجتماعية عميقة كمادة خام قابلة للمسرحة.
ضمن هذا السياق وفي إطار اختتام فعاليات المهرجان الدولي للمسرح الجامعي بالدار البيضاء مساء يوم السبت 06 يوليوز 2024 بالمركب الثقافي مولاي رشيد بنفس المدينة، و الذي تم تنظيمه الأسبوع الماضي في دورته 36 تحت شعار “المسرح والجنون” من طرف كلية الآداب و العلوم الإنسانية ابن مسيك – جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء برعاية ملكية سامية و بشراكة مع عدد من المؤسسات العمومية والخاصة، اختارت اللحظة المنظمة لهذا الثقافي الكوني عبر لحظة وفاء لروح العميد الراحل رشيد الحضري و باقتراح من زوجة هذا الاخير أن تقدم جائزة المرحوم رشيد الحضري لعرض مسرحي مغربي لم يكن الا لصالح مسرحية “الروفيج” حسب ما أشار اليه منطوق بلاغ اعلامي لأحمد طنيش المسؤول عن اللجنة الاعلامية للمهرجان. و لا ننسى أن “الروفيج ” هو عرض مسرحي قدم يوم افتتاح المهرجان من طرف طلبة ماستر دراسات مسرحية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية تحت إشراف منير السرحاني و أحمد توبة و من تاليف و إخراج عمر الجدلي كأحد العروض المسرحية الجامعية التي كان لها سجلت حضورا فنيا خلال هذه الدورة. ومن الملاحظ أن أنفاس مسرحية “الروفيج” قد نجحت في تحويل عرضها إلى لحظة فنية حاولت أن تنطق بألم نساء من واقعنا المجتمعي المعاش بعد أن لفظت تناقضات هذا الأخير و عنفه الذكوري ضد المرأة بمجموعة من النساء ينتمين لجغرافيات ثقافية كونية متعددة للالتقاء بفضاء “الروفيج” كملجأ وملاذ أخير لهن من عنف أزواجهن.
و هو الحيز الذي سيتحول داخل المسرحية إلى بؤرة مكانية لاستنطاق ذاكرة ألم تلك النساء على لسان حال بناتهن اللواتي وجدن أنفسهن أثناء مرحلة الطفولة يعشن كشهود على تجربة وجودية خاصة، كان لأمهاتهن فيها رهان واحد هو الدفاع عن حقهن في كرامة إنسانية تقطع مع التسلط الذكوري و الإقصاء الاجتماعي. وقد بدى أن الكتابة النصية للعرض المشار إليه قد مكنت شخوص المسرحية من الاتجاه نحو توليد سردية حوارية فوق الخشبة ، بطعم البوح المعبر بروح كناوية على ذاكرة من الألم الإنساني الذي عاشت في ظله نساء كن ضحية عنف رمزي و مادي، من أجل الانتصار كما قلنا لحق ذواتهن في العيش الكريم المحقق لوجودهم الأصيل بعيدا عن الظلم الاجتماعي و التسلط الذكوري، و ذلك باعتماد رؤية إخراجية نزعت إلى توظيف عناصر بصرية و صوتية من ذاكرة فن القول المغربي إلى جانب أخرى لها علاقة بالإضاءة للتناغم مع سردية كل مشهد على حده داخل هذا العرض ، بشكل أنتج جسورا من الاتصال مع الجمهور المتلقي وذلك في أفق التناغم مع الرسالة الفنية و القيمية لهذا المنجز المسرحي الذي حاول ممثلوه جاهدين التنقيب في أركيولوجيا الشخوص المسرحية المقدمة و استنطاق ألمها الوجودي.
علما أن استثمار حواريات الملحون والفن الكناوي كروافد ثقافية مغربية داخل مساحات القول المسرحي إبان نفس العرض كانت عاملا إخراجيا ساعد بقوة على ما يظهر في تحقيق هذا الأفق الفني والجمالي داخل هذه المسرحية التي برزت كصرخة منظمة و محبوكة فنيا ضد الظلم الاجتماعي و منطق الإقصاء الذكوري الموجه في مناطق عديدة من العالم ضد المرأة. للاشارة وحسب البلاغ الاعلامي لأحمد طنيش فقد قررت لجنة تحكيم هذا الحدث المسرحي الجامعي منح الجائزة الكبرى لفريق جامعة عين شمس من مصر عن عرضها المسرحي الموسوم ب”سالب صفر” بعد أن لامس العمق الفني لهذا المنجز المسرحي انتظارات الحكام و جمهور المتلقي على حد سواء حسب نفس البلاغ المشار اليه اعلاه.