د. سامي سعيد يكتب :حرب غزة والغباء التبادلي والمزدوج

د. سعيد سامي

playstore

كتبت تدوينة سابقة شرحت فيها كيف أن إسرائيل بغباء رئيس حكومتها خدمت القضية الفلسطينية بمقاربتها الأمنية ذات المرجعية الصهيونية والتي تنطلق من مجال حيوي شاسع يمتد من فلسطين إلى بلاد الرافدين، وعند بعض المتشددين من مفكري الصهيونية إلى يثرب والمحيط الأطلنتكي. وفضلاً عن كون اليهودية، فبالأحرى الصهيونية، تنطلق من نص توراتي محرف، فإن فكرة المجال الحيوي مقتبسة عن الفكر النازي، الذي كان يقوم على أطروحة كل من هو جرماني، لصفاء عرقه، فهو مشروع إلحاق بالدولة النازية الكبرى. وتنزيلاً لهذه الفكرة وصل هتلر إلى منصب المستشارية بسهولة، ألغى اتفاقيات ألمانيا مع الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وشرع في التسلح والتوسع، فابتلع بولونيا وبلجيكا بسهولة في مستهل الحرب العالمية الثانية، احتل فرنسا، وشرع في قصف لندن. حكايات التوسع والقصف المبيد، إذن، لها سابقة في التاريخ المعاصر قبل الراهن.
قلت: بنجامين نتنياهو خدم القضية الفلسطينية من حيث إنه يريد إبادة غزة، انتقاماً لكبرياء الجيش الذي لا يقهر، لكن، داخل إسرائيل بدأت أسئلة المحاسبة تطرح. كيف ل1200 قسامي مجهزين برشاشات خفيفة أن يهزموا حامية عسكرية بغلاف غزة مكونة من آلاف مؤلفة مجهزة بتكنولوجيا عالية الدقة وبأسلحة ثقيلة ومدمرة؟.
للانتقام لهذا الكبرياء بدأت قصة التهجير القسري اتجاه مصر والأردن، لكن ما لم ينتبه له نتنياهو وحماته هو أن الرئيس السيسي وهو فريق مخابرات عسكرية قبل أن يكون رئيس دولة وبعدها، والعاهل الأردني معه، يعرفان أن الذين هجروا بعد نكبة 48، لم يعودوا لوطنهم، ظلوا مشتتين بدول الجوار، وبالتالي ألغيت القمة الرباعية التي كانت ستجمع الزعيمان بالرئيس بايدن ورئيس السلطة الفلسطينة.
إذن لم يبق لنتنياهو سوى المدنيين بغزة، أما القساميين فهم داخل خمس طوابق تحت الأرض كما صرحت الأسيرة المفرج عنها.
في نكبة 48 ربما كانت كاميرا واحدة تتبني وجهة نظر الغزاة المحتلين، في الحرب الحالية 2 مليون كاميرا غزية، وعشرات القنوات الفضائية العالمية، وقنوات التواصل الاجتماعي التي تنشر منذ أزيد من عقد، ملايين الفيديوهات على مدار الساعة، وهنا يكمن غباء نتنياهو وحلفه.
نسي بنجامين أنه يتعامل مع عقل غربي ممنطق، تربى على تقديس الطفل والمرأة، وأنه لا يقبل مشاهد التقتيل غير المتناسب. ويوما بعد يوم، تواجهه مسيرات بأرقام قياسية، وانخراطات بالجملة في الإسلام الذي أنتج غزاويين يعيشون تحت التقتيل والتشريد والتجويع والتعطيش، ويصدحون الحمد لله، أو يحتسبون أمرهم لله عز وجل، وهو نعم الوكيل.
وإذا اتفق معي البعض بخصوص غباء نتنياهو، أو لم يتفق، أنتقل إلى طرح السؤال الموالي: أين يبرز غباء حماس؟.
هل كان توقيت السابع من أكتوبر اختياراً موفقا؟ وإذا كان كذلك ما كلفته والخصم جريح في مقتل، وحامل لإديولوجية عنصرية تتأسس على فكرة شعب الله المختار في أرضه الموعودة؟
من الناحية العسكرية التي تؤمن بالمفاجأة، جاء التوقيت مناسباً، شعب وجيش متدينان يحتفلان بعيد ديني، وجدوا قساميين في دقائق معدودات، واقفين عند رؤوسهم وهم متغذين بدواعي الثأر، رغم أنهم مؤطرين بمرجعية دينية سامية تقر قوانين حرب قبل أن ينتبه إليها الغرب الليبرالي “الإنساني” عندما صنع نظاما دولياً يخدم الخمس الكبار المنتصرين بالحرب العالمية الثانية.
لكن من الناحية السياسية، لم يكن توقيت هجوم 7 أكتوبر موفقاً، لأن الرد عليه لن يكون شبيها ب2008، 2014، و2021. هذا أمر مفروغ منه.
وفضلاً عن مسألة حجم الرد، فالقضية كانت “شاخذة” كما يقال في العامية المغربية، عند نتنياهو: كل يوم سبت، مهرجانات خطابية ومسيرات متزايدة ضد مشروع تدجين السلطة التنفيذية لنظيرتها القضائية، بل إن ملامح انقسام حقيقي في الجيش برزت بوضوح، وشبح حرب أهلية قائم بجدية كبرى، بدا في طريق سلسة. أ لم يكن من الأولى أن يكون الانهيار من الداخل؟.
في الحوار الإعلامي أدناه، يقدم مؤرخ فرنسي ألف كتاباً منذ أربع سنوات، هو عبارة عن قراءة ناقدة يشرح فيها المؤلف من خلال دراسته لتاريخ أسرة نتنياهو خارج إسرائيل وداخلها، ومن خلال السيرة الذاتية السياسية لبنجامين وتفاعلاتها مع باقي زعماء تل أبيب، كيف يفكك نتنياهو الصهيونية من الداخل، وختم كتابه وحواره بسؤال مفتوح: هل ستبقى الصهيونية وإسرائيل مع نتنياهو وبعده؟.
الظاهر أن قادة حماس لم يقرأوا كتاب المؤرخ الفرنسي، ربما لأنهم لا يقرؤون بالفرنسية.
سؤال أخير قبل الختم: هل وثقت حماس السنية بحزب الله الشيعي اللبناني أو الحوثيين اليمنيين من أجل نصرتهم وهم في أنفاق غزة تحت دبابات المحتل، رغم اجتماعات إيران مع الحرس الثوري؟ ألم يدرسوا التاريخ، وهذه المرة بالعربية ليجدوا فيه أن الصفوية التي ألهت العثمانيين عن التمدد في أوروبا الوسطى ليوقفوا حروبهم هناك ويعودوا لمواجهة الصفويين في الحدود المشتركة، لا يمكنها أن تنتصر للسنة، فالشيعة ألد أعداء للسنة من غيرهم من الديانات الأخرى.
أتمنى أن أقنعكم بغباء الصهيونية أولاً من حيث فكرة المجال الحيوي وشعب الله المختار والأرض الموعودة، ثم بغباء رئيس حكومة إسرائيل، وثانياً بغباء حماس اتجاه توقيت طوفان الأقصى، واتجاه الفقيه المنصور في قم وطهران، ووكيل أعماله بالضاحية الجنوبية أو في جبال اليمن التي لا هي سعيدة كما كانت زمن مملكة سبأ وسيدنا سليمان، ولا هي موحدة ما بعد صالح عبد الله.
اللهم انصر شعب الجبابرة في غزة والضفة بمدد من لدنك، وبسواعد أبناء فلسطين فوق الأرض وتحت الأرض.
رابط الفيديو : https://youtu.be/uXRAi16AJrw?si=hiJiZC79WZMgpm6z

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

playstore
زر الذهاب إلى الأعلى