تعارض السياسة و القانون في مخيال الانتروبولوجي المعاصر

playstore

يمكن الحديث عن إبستمولوجية علم السياسة انطلاقا من وجود منافذ تطل على متخيل الانتروبولوجي المعاصر، خصوصا عند بعض السياسيين الطوباويين، الذين يحاولون إثبات التعارض بين السياسة و القانون ، و المساهمة في احياء تصورات ماضوية للعلاقة بين مبادئ النظريات السياسية والممارسات الواقعية في ظل النظام السياسي القائم بالرغم من التحولات المهمة والمستمرة في رؤية وتنزيل إصلاح للأفعال في ظل اتساع المتخيل السياسي على امتداد دلالات الإصلاح الايجابية، لكنه يقابل برصد متخيل الانتروبولوجي المعاصر الذي ببحث فيه عن التعارض بدلا من اللاتوازن واعادة فرضه كنمط ماكس فيبيري .
ان ظهور التصوف الابستمولوجي للسياسة لا يستطيع الارتقاء بالخيال المعاصر بشكل عقلاني اكثر من اللازم بحكم تنوع النوافذ التي تطل على ساحات رصد النقائص، اضافة إلى أنه يطمح الى خلق البدع السياسية انطلاقا من نظريات مرجعية تهدف إلى التأثير على النسق السياسي القائم متذرعا بواقعية الانتروبولوجي المعاصر للاصطدام مع القانون .
ومعلوم أن القانون هو آلية ضبط التوازن بحيث ان القاعدة القانونية تأتي أولا من رحم الحاجة إلى معالجة البدع وفق مقاصد سياسية تدخل ضمن روح القانون، وثانيا تتوخى الاحاطة و التأطير للسلوك الاجتماعي والحفاظ على العلاقات القائمة او الافتراضية، سواء السياسية والاجتماعية العادية او المركبة وذلك بوازع حماية وضمان الحقوق و الالتزامات من اي مساس، حيث تضمن السلطة العمومية والقضائية بواسطة هذه القواعد القانونية احترام تلك الحقوق وتلك العلاقات و ما تنطوي عليه من التزامات متبادلة ضمن النسق السياسي سواء فيما بين الأفراد والدولة او فيما بين الأفراد.
وفرض إلزاميتها على جميع المخاطبين مع ترتيب العقاب او الجزاء المحددين على الممتنعين كيفما كان نوع الالتزام بها، لأنه حينما يضعف ركن الإلزام الذي يميز القاعدة القانونية عن غيرها من القواعد الأخرى سواء الأدبية، أو الثقافية التي تحاكي الأنثروبولوجي، فان الأمر يحتاج إلى النظر إلى ابستمولوجية علم السياسة وعلم القانون التي تعاود النظر في الانتروبولوجيا السياسية .. التي تريد إنهاء قيمتهما و هيبة القائمين على تنفيذهما وصولا إلى اختلال التوازن للنسق السياسي.
وبما أن القاعدة القانونية لا تخاطب الأشخاص بعينهم لكونها عامة ومجردة، وبما أن العمل بها يطول كلما حافظت على نفس خصائص الديمومة فان استمرار مخالفتها ودون ترتيب الجزاء على المخالفين لها يفصلها عن روحها وتتجه نحو نهايتها .
فرغم ان القاعدة القانونية عامة ومجردة إلا أن تطبيقها على كل مخالف لها في الواقع يبين مدى ضعف عدالتها ودرجة واقعيتها وعموميتها.
وخاصية العمومية تعني انها تطبق بدون تمييز بين الأشخاص على اي اساس كان.
ويكفي إثبات المخالفة والمخالف المرتكب لفعل متعارض مع مضمونها.
ويجب أن يتجسد الجزاء ضد من يمتنع عن تنفيذ تلك القاعدة أو يخالفها باستعمال القوة العمومية.
و إلزامها يضمن أيضا التوازن بين السياسة والقانون بعيدا عن قواعد الأخلاق والدين والانتروبولوجيا حيث نجد العقوبات القانونية متعددة وأهمها:
العقاب الجنائي ويتمثل في التدابير الأمنية والقضائية، فالعقوبات الجنائية التي تلحق بمرتكبي الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات قد تصل إلى الإعدام، والسجن المؤبد، السجن المؤقت، الحبس والغرامة.
كما أن التدابير الأمنية قد تتمثل في المنع من ممارسة مهنة أو نشاط أو فن، وقد تكون التدابير الأمنية عينية مثل مصادرة الأموال وإغلاق المؤسسات.
العقوبات المدنية و تتمثل في البطلان أو إبطال التصرف المخالف للقواعد الملزمة أو العقد، والتعويض المادي والمعنوي والجسدي عن الضرر.
بينما العقوبات الادارية تجعل الإدارة محاطة بالجزاءات كإلغاء القرارات الإدارية التي يشوبها عيب قانوني، وتوقيع الإجراءات التأديبية على الموظفين الذين يخالفون القواعد القانونية، والمنع من ممارسة مهنة أو نشاط.
ان استمرار القاعدة القانونية على نحو ملزم يبقى غير مضمون في ظل وجود افعال تهدد بتجاوزها، وان الاستمرار على هذا المنحى يلقى على عاتق القائمين على حماية تطبيقها المستمر وحمايتها من اي تلاعب او اي خرق، إضافة إلى محاربة البدع السياسية.
ويبقى نفاذ القاعدة القانونية ضروري للحفاظ على التوازن بين السياسة والقانون ومواجهة انحراف الانتروبولوجيا المعاصرة.
الدكتور احمد درداري رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

playstore
زر الذهاب إلى الأعلى