الدلالات الاستقرائية الجوهرية الموجهة للطبقة السياسية في خطاب افتتاح البرلمان

د أحمد درداري
1) ان فهم خطاب الملك يقرن بمقام الملك ويفهمه المتبصر واللبيب بدلالات اعمق، وعليه فان هناك دلالات لا تفهم باللطم والعبارات الجارحة، وإنما بالتمعن في ربط التعبير بتقييم المنجز من الأعمال التي تبقى للملك سلطة تقديرها وبمستوى عالي.
فمقياس التقدير الملكي يفهم على سبيل المثال من خلال استدعاء المنتخب الوطني إلى القصر الملكي وتكريمه المستحق بعد تقييم ما حققه في كأس العالم بدولة قطر وتشريفه الكبير للوطن.
وعليه فان المجهودات المبذولة على مستوى اداء المؤسسات الدستورية والطبقة السياسية، يبقى التفكير في هذا النوع من التكريم غائب عند المسؤولين السياسيين، لكونهم يكتفون بقناعة أنهم أمام فرص للإغتناء وهم في غنى عن التكريم، وغير عابئين بشرف الإشادة الملكية ورضى جلالته بعطاءاتهم وتخليد أسمائهم في الصالحات كرجالات السياسة الوطنيين المعاصرين.
ولفهم الدلالات المشفرة التي كشفت عن طينة الطبقة السياسية ووضعتهم في المقام المناسب نجد:
1 عندما يقول جلالته وهي مناسبة للتعبير لكم ، عن تقديرنا للعمل الذي تقومون به،
سواء في مجال التشريع، أو مراقبة العمل الحكومي، أو في تقييم السياسات العمومية.
فهنا لم يصف جلالته نوع التقدير هل هو إيجابي بالقدر الكافي ام ناقص، ام ان العمل جد متواضع ولا يرقى إلى نيل الرضى بكلمة تدل على تشريف الوطن كما يجب، والعبرة تكون بحجم العطاء ومستوى الالتزام بروح المسؤولية.
والدعوة إلى المزيد من الاجتهاد والفعالية، في إطار من التعاون والتكامل مع الدبلوماسية الرسمية، يؤشر على ان العمل ما يزال غير كافي ولا يوازي العمل الدبلوماسي الرسمي بالقدر المطلوب، بل ما تزال خيوط الآيديولوجيا الدولية تؤثر على بعض السياسيين وتبقي على الغموض في بعض المواقف.
ودعوة جلالته أعضاء مجلس النواب،
لتكريس العمل، بروح الجدية والمسؤولية، فيما تبقى من عمر الولاية التشريعية، دليل على ان روح المسؤولية مغيبة في العمل واذا كانت لما دعا اليها جلالته.
حيث يؤكد على ضرورة التحلي باليقظة والالتزام ، في الدفاع عن قضايا المواطنين، وكأن جلالته يبلغ رسالة بالنيابة عن المواطنين ويحاصر الطبقة السياسية للتفرغ لقضايا المواطنين، ويدعوها للخروج من العبث الذي يميز منهجية تعاطيهم للعمل السياسي باسم الوطن والمواطنين.
ونبه في نفس السياق إلى تجنب التناقض أو التنافس، بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية، ما دام الهدف هو تنمية البلاد، وتحسين ظروف عيش المواطنين، أينما كانوا.
وفتح جلالته القوسين رغم وجود قوانين حول تأطير المواطنين، فأمر بإعطاء عناية خاصة، لتأطير المواطنين، والتعريف بالمبادرات التي تتخذها السلطات العمومية، ومختلف القوانين والقرارات، لا سيما تلك التي تهم حقوق وحريات المواطنين، بصفة مباشرة.
والمعنيون بالتأطير جميع الفاعلين سواء الرسميون او غير الرسميون وهم :
- الحكومة،
- البرلمانيين، لأنكم يمثلون المواطنين.
- الأحزاب السياسية،
- المنتخبين، في مختلف المجالس المنتخبة، وعلى جميع المستويات الترابية،
- وسائل الإعلام،
- فعاليات المجتمع المدني،
- وكل القوى الحية للأمة.
وذكر جلالته بخطاب العرش الأخير لمن نسي او أغفل دقة التعبير الملكي، حيث أكد على ضرورة تسريع مسيرة المغرب الصاعد، وإطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية.
و نبه جلالته لضيق أفق تفكير السياسيين لكونهم يكتفون بالفهم الضيق للعمل السياسي، معتبرا مسيرة المغرب الصاعد
من القضايا الكبرى، التي تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني، وهنا يحتاج الوطن إلى برلمانيين يتجاوزن فحوى بطاقة عبورهم للبرلمان.
ويعود ويذكر جلالته مشيرا إلى الديناميات التي أطلقها،بغية تحقيق عدالة اجتماعية ومجالية أكبر.
ويرفض جلالته عقليات الجشع ورؤية المصلحة الخاصة، و يحرص جلالته في المقابل على استفادة الجميع، من ثمار النمو، ومن تكافؤ الفرص بين أبناء المغرب الموحد، في مختلف الحقوق، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغيرها.
وتبقى عين جلالته وتفكيره على التنمية المحلية ويعتبرها المرآة التي تعكس بصدق، مدى تقدم المغرب الصاعد والمتضامن، الذي نعمل جميعا على ترسيخ مكانته، وهي امتحان جميع الفاعلين بمن فيهم السياسيين المحليين.
فالعدالة الاجتماعية في مواجهة الاختلالات الاجتماعية ، والعدالة المجالية في مواجهة الفوارق المجالية، تحتل أولوية مرحلية، وتوجها استراتيجيا. حيث أمر جلالته جميع الفاعلين الالتزام به، لكونه رهانا مصيريا، ينبغي أن يحكم مختلف السياسات التنموية.
ودعا جلالته تعبئة جميع الطاقات لبلوغ المغرب الصاعد.
ويشترط جلالته لتحقيق التحول الكبير على مستوى التنمية الترابية تغييرا ملموسا في: – العقليات المتحكمة في صناعة السياسات العمومية الترابية. - طريقة العمل، حيث ان المقاربة التشاركية تبقى الانجع لربح الزمن التنموي.
- ترسيخ حقيقي لثقافة النتائج، وتعزيزها بمعطيات ميدانية دقيقة، وباستعمال التكنولوجيات الرقمية.
وينتظر جلالته وتيرة أسرع، وأثرا أقوى للجيل الجديد من برامج التنمية الترابية، التي وجهها إلى الحكومة من اجل إعدادها ، وذلك في إطار علاقات رابح – رابح بين المجالات الحضرية والقروية.
وقد دقق جلالته في القضايا الرئيسية، ذات الأسبقية التي حددها، وعلى رأسها تشجيع المبادرات المحلية، والأنشطة الاقتصادية، وتوفير : - فرص الشغل للشباب، بحكم اتساع رقعة البطالة في صفوف الشباب والحد من تشويش التفكير لديهم وتركهم عرضة للانحراف الفكري والاجتماعي والاقتصادي، ويكون الخطاب الملكي قد أحاط البرلمان بمشغالات الشباب وما رفع من شعارات في احتجاجات جيل Z 7.
- والنهوض بقطاعات التعليم، نظرا لما وصل اليه التعليم العمومي من إهمال، وتدهور ملحوظ، ذلك ان الجندي ورجل الأمن والشرطي لا يمكنه التضحية إذا لم تحتضنه الدولة في التعليم العمومي، وأن التوجه نحو شركات الأمن الخاص هي بداية التحول نحو دولة الشركات وخوصصة الانتماء للوطن والدفاع عنه.
- والصحة، التي هي تاج كرامة المواطن، وبسبب إهمال المستشفيات العمومية، وغلاء فاتورة التطبيب في المصحات الخاصة تنقطع شرايين الانتماء للوطن و تضعف علاقة الموظفين العموميّون بالدولة بسبب إقبالهم مثل الخواص على المصحات الخاصة وغلاء مصاريف التطبيب في مقابل محدودية الدخل.
- التأهيل الترابي. حيث ان البنية التحتية من طرق ومطارات وخطوط نقل ومشاريع تنموية كلها دماء تغذي الحياة وتحافظ على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
ونبه جلالته جميع المسؤولين ودعاهم إلى محاربة كل الممارسات، التي تضيع الوقت والجهد والإمكانات؛ حيث يرفض جلالته قبول التهاون في نجاعة ومردودية الاستثمار العمومي.
وحسب توجيهاته في خطاب العرش، بخصوص التنمية الترابية ذكر وداعا إلى التركيز على القضايا التالية:
– أولا: إعطاء عناية خاصة للمناطق الأكثر هشاشة، بما يراعي خصوصياتها، وطبيعة حاجياتها، وخاصة مناطق الجبال والواحات.
رافضا تحقيق التنمية الترابية المنسجمة، بدون تكامل وتضامن فعلي بين المناطق والجهات.
– ثانيا: دعا إلى التفعيل الأمثل والجاد، لآليات التنمية المستدامة للسواحل الوطنية، بما في ذلك القانون المتعلق بالساحل، والمخطط الوطني للساحل، وذلك لتحقيق التوازن الضروري، بين التنمية المتسارعة لهذه الفضاءات، ومتطلبات حمايتها وتثمين مؤهلاتها الكبيرة، ضمن اقتصاد بحري وطني، يخلق الثروة وفرص الشغل.
– ثالثا: دعا إلى توسيع نطاق برنامج المراكز القروية الناشئة، باعتبارها آلية ملائمة، لتدبير التوسع الحضري، والتخفيف من آثاره السلبية. وتقريب الخدمات الإدارية والاجتماعية والاقتصادية، من المواطنين بالعالم القروي.
ووضع فيما تبقى من السنة المتبقية من عمر الولاية البرلمانية رزمانة من المشاريع والتحديات. وطلب من الحكومة والبرلمان، أغلبية ومعارضة، تعبئة كل الطاقات والإمكانات، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين.
وختم جلالته بآية تقود إلى الأخذ في الحسبان ما ينتظره المسؤول من محاسبة، بالقول كونوا في مستوى الثقة الموضوعة فيكم، وفي مستوى الأمانة الملقاة على عاتقكم، وما تتطلبه خدمة الوطن، من نزاهة والتزام ونكران ذات. فكل هذه الصفات هي في نفس الوقت حدود يحاسب القانون على تجاوزها وعزز ذلك بقوله تعالى: “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يراه”. وهذه الآية الكريمة تبين ان ميزان الكيل والحساب ليجزى كل مسؤول بما عمل.