المنديل الجبلي يقاوم العصرنة ويصمد كرمز نسائي لهوية الشمال

رغم زحف الموضة الحديثة وتغير أنماط اللباس في مختلف المناطق، لا يزال المنديل الجبلي، أو ما يُعرف محليًا بـ”المنديل”، صامدًا في جبال الشمال المغربي، كرمز من رموز الهوية النسائية الأصيلة، وعلامة فارقة في الثقافة الأمازيغية والريفية والجبيلة.
هذا المنديل الذي تتميز به نساء الشمال، خصوصًا في مناطق كتطوان، شفشاون، وزان، العرائش، الحسيمة وتاونات، لا يُعتبر مجرد غطاء للرأس أو جزء من اللباس التقليدي، بل يحمل دلالات رمزية وثقافية غنية، تعكس ارتباط المرأة الجبلية بتراثها، واعتزازها بأصولها، ومكانتها ضمن نسيج اجتماعي ظل محافظًا على تقاليده رغم التحولات العميقة.
ويتميز المنديل الجبلي بألوانه الزاهية وخطوطه الحمراء والزرقاء المتقاطعة فوق أرضية بيضاء، وغالبًا ما يُلف بطريقة خاصة على الرأس أو الكتفين، ترافقه أحيانًا السبنية أو الحايك، في مشهد يختصر ذاكرة جماعية ممتدة عبر الأجيال.ورغم التأثير المتزايد للموضة العصرية، لا تزال النساء في المناسبات الكبرى
– من الأعراس إلى المهرجانات الفلاحية
– يحرصن على ارتداء هذا الزي التقليدي، تأكيدًا للانتماء ورفضًا للذوبان الثقافي. بل إن المنديل بات يجد طريقه اليوم إلى تصاميم حديثة، تزاوج بين الأصالة والابتكار، مما أعاد له جاذبية خاصة وسط الأجيال الشابة.
وفي ظل التحولات السريعة التي يعرفها المجتمع، يطرح المنديل الجبلي نفسه كرمز مقاوم للنسيان، وكوثيقة بصرية تؤرخ لحياة النساء في القرى والجبال، وتُعبر عن كرامتهن، استقلاليتهن، ودورهن المركزي في الحفاظ على الهوية المحلية.
المنديل الجبلي ليس مجرد قطعة قماش، بل هو رسالة نسوية صامتة، تُعلن التمسك بالأصل، وتقاوم الاندثار في زمن السرعة والعولمة. صموده في وجه العصرنة دليل على أن بعض الرموز الثقافية قادرة على مقاومة الزمن حين تتجذر في القلوب والذاكرة.