الامن

الأمن المغربي في زمن التحول: من قبضة الدولة إلى شراكة المواطن

لم يعد الأمن في المغرب مجرد درع حديدي لحماية النظام العام، بل أصبح أداة استراتيجية لبناء الدولة الحديثة. إنه تحول عميق، انتقل فيه الجهاز الأمني من منطق الحراسة إلى منطق الضمان، حيث يتقاطع الأمن مع الحقوق، وتُدار التهديدات بالشراكة لا بالسطوة.

شهد المغرب خلال العقود الأخيرة تحولاً جذرياً في فلسفة عمل مؤسساته الأمنية، منتقلاً من نموذج “الدولة الحارسة” الذي يركّز على ضبط النظام، إلى نموذج “الدولة الضامنة” الذي يجعل من الأمن حقاً ومكوناً من مكونات المواطنة الكاملة.

هذا التحول البنيوي تعزز مع تولي الملك محمد السادس الحكم، حيث قامت العقيدة الأمنية الجديدة على ثلاث ركائز: الوقاية عوض القمع، الاستباق بدل الرد، والاحترافية محل الارتجال.

وتمثّل المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST) أبرز تجسيد لهذه المقاربة الجديدة، حيث حظيت بإشادة دولية لدورها الفعّال في مواجهة التهديدات الإرهابية والمخاطر المعقدة.

أصبح الأمن يُدار وفق منطق تشاركي يربط السلطة بالمحاسبة، من خلال إدماج المجتمع المدني، وتوسيع أدوار الرقابة، وتعزيز مشاركة النساء، واعتماد مفهوم “الأمن القريب من المواطن”.

كما ساهم المغرب في تكوين أمني قارّي، وطور قدرات إلكترونية متقدمة للتصدي للهجمات السيبرانية.

لكن رغم كل المكاسب، يظل التحدي قائماً: كيف يمكن الحفاظ على التوازن بين الأمن والحريات؟ الجواب يكمن في تعميق الإصلاحات القانونية، تقليص الاعتقال الاحتياطي، وتوسيع نطاق المساءلة القضائية.

في النهاية، الأمن في المغرب لم يعد شأناً مؤسساتياً فقط، بل أصبح مسؤولية جماعية تُبنى بالتعاون بين الدولة والمجتمع، في أفق ترسيخ أمن مستدام يقوم على الثقة، المواطنة، واحترام الحقوق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى