مجتمع

مقال مخصص للذين يوهمون العامة بوجوب الأضحية مذيل بذلك التسابق الحميم نحو اقتناء اللحم ليلة العيد بشكل هستيري

بقلم الفقيه الشيخ عبد اللطيف بوعلام الصفريوي

ابتداء عيدكم مبارك سعيد أَهَلَّهُ الله عليكم بالخير واليُمن والبركات والصحة والعافية والسلامة.لا شك أننا قد احتفلنا هذه السنة بعيد الأضحى دون إراقة دم الأضحية استجابة لنداء أمير المؤمنين حفظه الله ورعاه، وشافاه وعافاه بغرض الحفاظ على القطيع، ومراعاة لجيوب شريحة هامة من المغاربة الذين يجدون عناء في توفيرها كأنها من أوجب الواجبات؛

ذلك أنه قد ترسخ في الذاكرة عبر مرور الأزمان أنه بدونها لا طعم وذوق وفرحة للعيد بغياب بُولْفَافْ والدُّوارة والراس المُشَوط والكتق المبخر والقضبان المشوية على الفحم، إذ بدون ملء البطون بهذه الخيرات لا قيمة للعيد البتة، فيضطر الفقير للسلف وبيع حتى الثلاجة التي سيحفظ فيها اللحم، وكلها سلوكات ضاربة في التقاليد، ولا تمت إلى الدين بصلة.

ولنُدَلّل على تصحيح هذا الفكر السائد المُعْوَجّ وضبط المسير الحق، سنورد أعلاما من الصحابة الكرام رضي الله عنهم من أنهم كانوا يؤدون صلاة العيد دون إتمام نُسك ذبح الأضحية.

فقد أورد ابن كثير في تفسيره بالجزء الرابع بالصفحة: 646 قوله: ( وقال أبو سريحة: كنت جاراً لأبي بكر وعمر وكانا لا يُضَحَّيَانِ خشية أن يَقْتَدِيَ الناس بهما).

وجاء في سبل الإسلام بالجزء الرابع ص 91: ” وأفعال الصحابة دالة على عدم الإيجاب – يعني إيجاب الأضحية.

مستدلا بما أخرجه البيهقي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا لا يضحيان خشية أن يُقْتَدَى بهما)، ويعضد هذا القول ما جاء في (الاعتصام) للإمام العلامة الشاطبي بالجزء الثامن صفحة 91: (وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يضحون – ( يعني أنهم لا يلتزمون بذلك).

وفي (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) بالجزء الأول صفحة 464 قال: ” قال عكرمة: بعثني ابن عباس بدرهمين أشتري بهما لحماً وقال: من لَقِيتَ فقل له: هذه أضحية ابن عباس !! “، ورُوِي عن بلال أنه ضحى بديك!!).

وذُكر في (سبل السلام) بالجزء الرابع صفحة 91: “وأخرج عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه إذا حضر الأضحى أعطى مَوْلًى له درهمين فقال: اشتريهما لحماً، وأخْبِر الناس أنه ضَحَّى ابن عباس بذلك، ورُوِي أن بلال ضحى بديك”. والروايات عن الصحابة في هذا المعنى كثيرة…).

وبعد هذا، فهل عسانا نحتاج بعد قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وأقوال صحابته رضي الله عنهم، وأفعالهم إلى دليل نقلي آخر لسقوط الأضحية في حق الأمة؟؟ أم هل عسى من يَعْدِلُ( ينصرف) عن هذه الواضحة البينة أن يكون أكثر حرصاً على الاتباع من أبي بكر وعمر وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن مسعود وبلال، وسائر الصحابة رضي الله عنهم؟؟!

ثم لدي ملاحظة وجيهة تُهِمُّ أكَلَةَ اللحم الذين أوصلوه في بعض المناطق إلى 150 درهم أو يزيدون للكيلو في تسابق وتدافع نحو اقتناء أكبر عدد من الكيلوات إلى حدود شراء الخروف برمته مع الدوارة التي وصلت إلى 500 درهم، ولم تُغْلِقْ محلات الجِزَارَةِ أبوابها إلى حدود الواحدة ليلا، والمتهافتون على هذا الفعل يعتقدون أنهم قد حققوا سُنة العيد.. فانظروا _ رعاكم الله _ ماذا قال تعالى في هذا الشأن بسورة الحج: لَن يَنَالَ اللهُ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ، كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ، وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ(37) .

ذلك أن الأضحية عبادة وتَقَرُّبٌ إلى الله تعالى، ولا تكون صالحة ومقبولة إلا إذا تحقق فيها الإخلاص لله عز وجل، فهي ليست للتباهي ولا من أجل إدخال السرور على الأولاد.

قال الإمام ابن السعدي -رحمه الله-: ” أي: ليس المقصود منها ذبحها فقط، ولا ينال الله من لحومها، ولا دمائها شيء، لكونه الغني الحميد، وإنما يناله الإخلاص فيها، والاحتساب، والنية الصالحة، ولهذا قال:{وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}، ففي هذا حَثٌّ وترغيبٌ على الإخلاص في النحر، وأن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخرا ولا رياء، ولا سمعة، ولا مجرد عادة “. انظر تفسير السعدي بالصفحة(538).

والأنكى من ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي طالعتنا بعرض عظام الحمير مُسَمْسَرَةً برؤوسها الملقاة في الفلاة، وقد بِيعت لحما أو كفتة للمواطنين. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم…

فأين هو خوف الله وتحقيق مناط التقوى المُصَرَّحِ به في الآية، ولمحكمتكم واسع النظر في هذه المسائل التي تدلل على أفول تعاليم الإسلام، وعدم الخوف من عقاب العزيز المقتدر: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ، وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا، وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا، وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [ الآية: 49 من سورة الكهف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى