أخبار متنوعة

المغرب يستعد لاستقبال دفعة من السجينات المغربيات العائدات من سوريا

في تطور لافت على مستوى تدبير ملف المغاربة المحتجزين في مناطق النزاع بسوريا، يستعد المغرب لاستقبال دفعة جديدة من النساء المغربيات المحتجزات سابقًا في مخيمات وسجون شمال شرق سوريا، وتحديدًا في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

هذه الخطوة تأتي في سياق جهود رسمية بدأت تتبلور خلال العامين الأخيرين، بعد سنوات من الجمود السياسي والقلق الأمني المحيط بهذا الملف الحساس.

وتفيد مصادر مطلعة بأن السلطات المغربية أنهت فعليًا الإجراءات المتعلقة بترحيل مجموعة من السجينات، رفقة أطفالهن، من مخيمات “الهول” و”روج”، حيث كانت تقيم مئات النساء من جنسيات مختلفة، بينهن مغربيات التحقن سابقًا بتنظيم “داعش” أو تواجدن في مناطق النزاع لأسباب مختلفة، بعضها عائلي أو قسري.

وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن هذه الدفعة تشمل نساء ثبتت هويتهن، وأبدين استعدادًا للخضوع للمتابعة القضائية وإجراءات الإدماج الاجتماعي، كما تم إخضاعهن لاستجوابات أمنية وتحقيقات أولية بتنسيق مع سلطات محلية ودولية.

ويُتوقع أن تشمل الدفعة الأولى ما بين 20 و30 سيدة، بعضهن برفقة أطفال صغار، لا يعرفون من وطنهم إلا ما ترويه أمهاتهم في الخيام والأسلاك، وسط ظروف إنسانية مأساوية.

الخطوة المغربية تأتي بعد شهور من الضغط الحقوقي والدعوات العائلية المتكررة للمطالبة بإعادة النساء والأطفال المغاربة العالقين في سوريا.

وكانت عائلات بعض المحتجزات قد وجهت رسائل إلى السلطات، ورفعت التماسًا إلى الملك محمد السادس، تدعو فيه إلى التدخل الإنساني العاجل، وإنهاء ما وصفوه بـ”المنفى القسري” الذي تعيشه بناتهم وحفيداتهم.

على المستوى الرسمي، شكّل البرلمان المغربي لجنة استطلاعية خاصة لمتابعة الملف، كما أعلن وزير العدل عبد اللطيف وهبي عن توقيع اتفاقيات

مع عدة دول لتسهيل عودة السجينات، منها العراق ومصر وسوريا. وأكد وهبي أن المغرب لا يمانع في استقبال مواطنيه من مناطق النزاع، شريطة إخضاعهم للإجراءات القانونية، وتوفير ضمانات أمنية تقي البلاد من أي تهديد محتمل.

ويرى مراقبون أن هذه العودة تشكّل لحظة اختبار صعبة للدولة المغربية، فهي من جهة تعكس التزامًا بحقوق الإنسان، والحرص على حماية النساء والأطفال من مصير مجهول في مخيمات النزاع، ومن جهة أخرى تطرح تحديات أمنية وقانونية كبيرة، خاصة أن بعض العائدات كن على صلة مباشرة بتنظيمات إرهابية، أو تربطن بزوجات مقاتلين سابقين.

وتراهن السلطات على برامج إعادة إدماج وتأهيل نفسي واجتماعي، سبق أن تم تجريبها مع عدد من العائدين من بؤر التوتر في السنوات الماضية، عبر مبادرات يقودها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمندوبية العامة لإدارة السجون، وبعض الجمعيات المدنية المختصة.

في المقابل، لا تخلو هذه الخطوة من انتقادات داخلية، حيث يعبّر جزء من الرأي العام عن تخوفه من تداعيات هذه العودة، خاصة في ظل خطاب إعلامي متوتر، ومعلومات غير دقيقة أحيانًا حول هوية المحتجزات وظروف التحاقهن بمناطق النزاع.

وهو ما يجعل من الضروري، بحسب بعض الحقوقيين، التواصل الشفاف مع المواطنين، وشرح طبيعة الملفات، وتمييز من تم استدراجهن أو إجبارهن، عن من تورطن في جرائم أو انخرطن في أنشطة إرهابية.

وتأتي هذه العودة في سياق إقليمي أيضًا يشهد تحولات في تعاطي الدول مع رعاياها العالقين في سوريا والعراق، حيث أعادت بلدان مثل تونس وفرنسا وبلجيكا وألمانيا أعدادًا من النساء والأطفال، وأطلقت برامج متباينة لإعادة التأهيل والمراقبة والمتابعة القضائية.

ويبدو أن المغرب اليوم يسير في الاتجاه نفسه، من خلال مقاربة توصف بـ”الهادئة والمتأنية”، تحاول تحقيق التوازن بين الضرورة الإنسانية والاحتياط الأمني، مع التأسيس لتجربة قد تُعتمد لاحقًا في التعامل مع العائدين من مناطق النزاع، خصوصًا مع استمرار وجود مئات المغاربة في سوريا والعراق، في ظل ظروف إقليمية ودولية معقدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى