بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،اكادير، 15 شتنبر 2024 .
إذا سقيت التراب بماء مالح ،فكل النبات بعد نضجه سيكون مالحا ،
وإذا سقيته بماء عذب سيكون ناضجا ، لكنك لا تضمن حلاوته …
حكمة الله في خلقه انك اذا زرعت خيرا لا يمكن بالضرورة ان تجني خيرا ، وإذا لم تجني خيرا من بشر ،عوضك الله خيرا منه ،وإن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة .
لكنك ابدا لا تنتظر ان تجني خيرا في زرع زرعته شرا ، وإذا حدث عكس ذلك فبرحمة من الله الذي يريد بك خيرا فيدفعك الى الخير .
ويعطينا الله الحكمة في الكلاب ، فكلما سقيتها حبا و رعاية و تربية جنيت منها الوفاء و الإخلاص و الحب الصادق ، عكس البشر الذي وإن سقيته حبا ورعاية لا تملك ضمانات ان يكون الرد وفاء واخلاصا وحبا .
وكذلك الحال في الازواج والاولاد ، فانت تختار و تزرع و لكن حصادك لن يكون دوما كما تريده ،والا ماكانت على هذه البسيطة جريمة الارحام ،ولا زنى المحارم ولا الخيانة الزوجية و لا إنحراف الاولاد ولا ظلم الإخوة في ارث او تدبير اموال .
والاسرة وعلاقة الافراد فيما بينهم في كل مجالات الحياة هي نظام صغير تبنى عليه انظمة اكبر وهي انظمة الدولة .
الانظمة هي قواعد وضوابط و مؤسسات و تشريعات و بناء و تشييدات و جهد ومنجزات ،وتحيين حسب التحولات .
الانظمة التي تستكين الى وضعها دون حلحلته وتطويره و تجديده ، تصاب بالهشاشة و تهدد مصيرها بالإنهيار .
هناك من لا يعير قيمة واهتماما للقيم الانسانية ، فيتيه في دروب الحياة بحثا عن لقمة عيش ،فيناضل من اجل اسرته او دولته ، وبين من يسعى اليها بنزاهة وبين من يجعل الغاية تبرر الوسيلة .
كثير من الاسر راكمت اموالا ووضعيات اجتماعية تبدو مريحة لكنها تخفي الوجه البئيس ،حيث ضاعت القيم والحب في زحمة الحياة .
الدول والانظمة تكون مشغولة بضبط حدودها و ضمان استقرارها ،لكن في رحلة حماية الحدود و رسم برامج للاستقرار، تضيع اجيال و تموت الوطنية و تقل المواطنة ، يصبح هنا المواطن غريبا في وطنه ،لانه لا يجني من خيرات بلده ما يجعله يحس بالانتماء و الاستعداد للتضحية .
اطفال الشوارع هو شكل من اشكال الهجرة من الاسرة الى الشارع ،والطلاق هو شكل من اشكال الهجرة من الإلتزام الى الحرية او الفوضى او الخلاص من وضع غير محتمل ، والهذر المدرسي هو هجرة من مقررات جوفاء ومؤسسات بلا روح بحثا عن عمل للربح السريع او الآني.
وعندما تهاجر الادمغة فمؤكد انها تهاجر بحثا عن شيئ لا تجده ببلادنا ، لعله العيش الكريم و ليس العمل ، فالانظمة باوروبا فيها عمل يخضع لضوابط ،وفيها تغطية صحية لا تخضع للمحسوبية ، وفيها حقوق فردية محمية ،
في بلادنا العمل بالقطاع الخاص غير مضمون ،فكل شيئ يسير على هوى رب العمل ،و الوظيفة العمومية عبودية مقابل اجور زهيدة وغير عادلة ، ناهيك عن تعثر الحماية الاجتماعية ،و العدالة الإجتماعية ، غياب الافق الواضح المشجع على العمل وعلى الطموح وعلى الثقة في جني النتائج .
15 شتنبر ليس نازلة محكومة بمنطقة المآمرة او استهداف استقرار البلاد ، بل هي رسالة واضحة من الشعب الى المسؤولين ،مفادها اننا نحس اننا في سجن مادامت الدولة عاجزة عن تلبية مطالبنا في العيش الكريم ،وفي نفس الوقت تمنعنا من الذهاب الى بلدان تعاني الخصاص و تحتاج الينا في ظروف احسن واريح وبافق مضمون .
يكفي ان تبادر الى طلب تأشيرة من اي بلد اوروبي لتكتشف حجم الإهانة والمذلة والتحقير و “الحكرة” التي تحس بها وانت تحاول تحقيق شروط تعجيزية مقابل تأشيرة تحولت الى كابوس ، والاطم انك لا تحصل عليها رغم كل شيئ بلا حق في معرفة السبب .
بلادنا ليست بخير إذا ما كان شبابنا لا يجد ما يناسبه فيها ، ويريد الهجرة الانتحارية عبر المحيط .
وإنتبهوا انها كانت الى الامس هجرة سرية ،واليوم تحولت الى هجرة علانية ،و هذه الخطوة تعني ان هؤلاء الشباب لا يرغبون فعلا في الهجرة! ،ولكنهم يرسلون رسالة واضحة للمسؤولين ، بان سياساتهم فشلت في تحقيق العيش الكريم لجيل بكامله ، وهذا معناه اننا علينا إعادة ترتيب الاولويات ، واصبح السؤال المؤرق : لماذا نصرف الميزانيات على امور تبدو للدولة اولوية ،لكن نتائجها واثرها لا نراه في الحياة اليومية للمواطن ؟
لا زال معتقلو الريف في السجون ،وإذا ما بقيت الامور على حالها فعلينا ان نحصي معتقلي كل مناطق المغرب بالسجون ، وسنتحول مع الاسف الى معتقلين في وطن احببناه ولم نجني من حبه سوى الجفاء .
فلا تسقوا المواطنين المر ،لانهم اوكلوكم تدبير امورهم ،وهذه ارضهم وقادرون ان يسقوكم ما هو امر .
فهل تتحركون؟… هل تعتبرون ؟
ما يكتب في أقلام حرة لا يعبر بالضرورة على رأي المجموعة الإعلامية