حينما تتحول شواطئنا خلال فصل الصيف إلى فضاءات للبحث عن محاولة العيش
بقلم سمير السباعي
يحل فصل الصيف من كل سنة و تظهر معه بشواطئنا المغربية من جديد محاولات كثيرة للعيش أبطالها أناس اختاروا أن يجعلوا من رمال هذا الشاطئ أو ذاك فضاء للسعي و كسب القوت، و نقصد هنا تجارب إنسانية حقيقية لأفراد رمت بهم ظروفهم الاجتماعية القاسية إلى جعل المشي تحت أشعة شمس الصيف الحارقة و فوق الرمال الساخنة طقسا شبه يومي للتغلب على داء عضال اسمه الفقر الاجتماعي.
و حقيقة المتأمل في سحنات و انتماء الجل من الذين يمتهنون مهنا صيفية عابرة مدرة للدخل بالشواطئ المغربية خلال هذه الفترة من السنة من قبيل البيع المتنقل للمكسرات و أكواب القهوة أو بعض العجائن على رأسها طبعا الشهير “البيني” يجد منطقا مشروعا في نزوح هؤلاء إلى ركوب مثل هذه التجربة الاجتماعية والاقتصادية الغير المهيكلة لكن المحققة لكثيرين منهم بعضا من الدخل. فجلهم إما آتون من مناطق قروية مجاورة لم تقدم لهم فرصا تنموية حقيقية خاصة أن أغلب القادمين من هناك هم أبناء دواوير لا يمارسون في أحسن الأحول إلا أنشطة زراعية معيشية محدودة في ظل الصعوبات التي أصبحت مواسم الجفاف تزيد من حدتها مع شبه غياب لأي مصادر أخرى للدخل، وبالتالي يصبح تنقل أحد الأبناء أو الزوج في بعض الحالات إلى شاطئ المدينة المجاورة خلال الصيف أمرا عاجلا لكسر حالة العوز و الانخراط في فعل اقتصادي بسيط تقليدي و بسيط لكن بمجهود جسماني كبير للحصول على مدخول مادي يمكن أن يشكل عونا حقيقيا لتلك الأسر.
و لا يفهم من هذا أن أبناء البوادي والقرى هم من يحتكرون هذه السوق المتنقلة على الأقدام للبيع فوق شواطئنا، بل هناك أيضا فيهم نسبة مهمة من أبناء المدن الشاطئية نفسها أفراد إما خانهم النجاح في التحصيل الدراسي وأصبحوا منقطعين عن التمدرس، أو أشخاص فضلوا طلب اللجوء نحو رمال البحر هربا من تناقضات معيشية واقتصادية صعبة بدروب و أحياء المدينة و هو ما سمح لكثيرين ممارسة بعض فن الكلام والقول الممزوجة بحرفية عالية في بعض الأحيان لإقناع هذا المصطاف بالتنغم برشفة كأس قهوة يقال أنها معطرة بدرهمين فقط أو للنجاح في عرض جيد لحلويات “البيني” قصد جعلها تذوب في أفواه أكبر عدد من الزبناء المحتملين على الشاطئ خاصة مهم الأطفال. صحيح أن بعض السلطات المحلية في شواطئ عديدة تتصدى لهذا النوع من الاقتصاد الغير المهيكل بحجة الحفاظ على راحة المصطافين و منع بيع بعض المواد الغذائية التي يمكن أن تشكل خطرا على صحة رواد الشواطئ و هو أمر مفهوم ومقبول في بعض الحالات، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار ظهور بعض الممارسات من طرف كثيرين يحاولون الاستيلاء اقتصاديا على مساحات واسعة فوق الشواطئ المغربية خلال هذا الموسم الصيفي من أجل القيام بأنشطة مستفزة للنظام العام مثل كراء المظلات الواقية للشمس أو إرغام المصطافين على دفع مقابل مادي شريطة الجلوس في هذا المكان أو ذاك من الشاطئ في سلوك لا يحترم القانون و لا ينم إلا عن جشع مافيات متخصصة في هذا النوع من الأنشطة الغير مرخص لها في الغالب لتحويل شواطئنا إلى إقطاعيات خاصة يتم فيها انتهاك كل أشكال القانون و تكدير فسحة الاصطياف لدى كثيرين من مرتادي البحر.
والسؤال المطروح الآن ماذا بعد انتهاء موسم الصيف؟ أين سيتجه هؤلاء البائعون على الأقدام فوق الرمال من الذين تحدثنا عنهم؟ يبدو أن حركة المجتمع و تناقضاته إما ستدفع بهم للعودة إلى محلاتهم الأصلية للبحث عن البقاء لا أقل و لا أكثر أو ستقذف بهم من جديد إما لممارسة أنشطة أخرى غير مهيكلة لها علاقة ببداية الموسم الدراسي المقبل على الأبواب من قبيل بيع بعض الأدوات المدرسية الزهيدة الثمن فوق فراشات داخل هذه السويقة أو تلك بعد خوض معارك ملحمية للحصول على ترخيص نقابة “صحاب الفراشة” قبل افتراش البضاعة الأرض، حيث تظل عجلة البحث عن الدخل متحركة حتى عند المتمدرسين من هؤلاء رغبة في إنعاش رصيد المدخول قبل الالتحاق بحجرات الدرس في سبيل دعم احتياجاتهم الأساسية التي لا تستطيع أسرهم المحرومة اجتماعيا من تلبيتها.
الأمر الذي يطرح علينا جميعا تحدي ضمان التنمية المحلية القادرة على مخاطبة الجميع خاصة شريحة واسعة من المهمشين هي في أمس الحاجة إلى الدعم والتأطير و المواكبة عبر برامج تنموية عملية على طول السنة، تنتصر للقيم المغربية و الكرامة الإنسانية.
أما فصل الصيف فيبدو أن شواطئنا المغربية بمشاهدها المتناقضة ستظل ركحا تقدم عيه لوحات مسرحية تعبر عن جوانب كبيرة من تناقضاتنا الاجتماعية و الاقتصادية طالما أن المجتمع المغربي في الشاطئ يشكل لوحده وحدة اجتماعية مركبة قابلة للتأمل و السؤال.