الصراحة قبل الزواج
أمينة اوسعيد
بما أن المقبلين على الزواج كثر، والكل يبحث عن الاستشارة من المحيطين والمقربين.. هذا ما جعلني أتحدث عن موضوع، أعتبره شخصيا أهم من مبلغ الصداق، وقاعة الحفل، وتلك الأمور التي تمنحها جل العرائس أولوية، ألا وهو “الصراحة قبل الزواج”.
إن معظم الرجال عندما تطرق باب رغبتهم فكرة الزواج، يضعون معايير خاصة في انتقاء شريكة الحياة، كل حسب شخصيته؛ فيتأبط الواحد منهم صندوق أسراره الأسود، ويدسه جيدا، حتى لا تعلو منه أصوات أخطائه، وتفوح منه رائحة عيوبه. يلمّع صورته بمساحيق الكذب والخداع، حتى لا تبدو تلك الخدوش والندوب في شخصيته؛ فيبدأ موشح المدح: “أنا ولد الناس، والله مَا تْلْقَايْ فْحَالِي”، ويصبح بقدرة قادر ملاكا نازلا من السماء! هو الشاب الطاهر، الذي لم تمسسه أنثى، ولم يكن يوما بغيا، لتكتشف الزوجة – بعد مرور سنوات من الزواج – أنها مصابة بإحدى الأمراض المنقولة جنسيا،
وهذا ما أقرت به الإحصائيات وفق دراسة أُنْجِزَت مؤخرا، ذكرت أن داء السيدا بدأ يتوجه نحو تاء التأنيث؛ يعني أن أغلب المصابات من النساء.. ساعَتَها لن تنفع كل قواميس الاعتذار من هذه الزوجة. صحيح أن من بين وثائق الزواج شهادة طبية تثبت خلو الطرفين من الأمراض، لكن كيف تنجز هذه الوثيقة؟! هل شهادة طبية بخمسين درهما كافية لتُظهر ما تخفيه الدماء في العروق من فيروسات وأمراض؟!
فحص طبي ينجز شفاهيا، وكشف بالعين المجردة، ليتخبط الزوجان، مع توالي سنين العشْرة، في متاهات المرض والندم! وضع يسهم فيه كلٌّ حسب مسؤوليته.. زوجة كل ما يهمّها أن تدرأ عنها لقب “عانس”، وزوج أخفى أو ربما هو، أيضا، لم يكن يعلم نتيجة تصرف طائش في لحظة شهوة، وطبيب اكتفى بتوقيع شهادة دون كشف، ولا تحاليل، ولا هم يحزنون…
نجد أنموذجا آخر من الأزواج.. نوع ادّعى أنه يملك ما لا يملك: شقة باسمه، وسيارة أيضا، لتكتشف الزوجة، في ما بعد، أنه هو، وما يملك، رهن مقيد باسم البنك؛ فتفتح أبواب المشاكل على مصراعيها، مع توالي طلبات الزوجة؛ أبواب كان بإمكانه أن يتجنب ريحها، ويستريح، لو صارَحَ زوجته منذ البداية.. فالأفضل أن تعلم أنه “على باب الله” لتصبر معه، وتكون له السند والمُعين، من أن يغترف من بحر الكذب، ليظهر عكس ما تضمره الحقيقة، ويعيش على سراب الترف.
أما أخطر نوع، وأصنفه ضمن لائحة “أخطر الكذَّابين”، فهو من يترك وراءه زوجته الأولى، تتخبط في مشاكل الأطفال ومسؤوليات البيت، ويخرج بحثا عن امرأة أخرى، تكون محطة استراحة، يرتاح فيها من صخب البيت، ونكد الزوجة الأولى.. يضع الكل بين قوسين ينفصل عن واقعه. يصبح أعزب بدون ترخيص. يبني للثانية قصورا من الرمال، حتى إن هي تعلقت به، وطلبت منه الزواج، وأراد التخلص منها، فتح باب القوس لتطير غربان أكاذيبه، لتأكل من رأس أحلامها البلهاء معه…
“الصّرَاحَة رَاحَة” يا معشر الرجال، ومهما طال حمل الجَرَّة، ستسقط يوما، وتتكسر فوق رؤوس أصحابها؛ فتُكْشَف عورات الأسرار، وتصطف الأكاذيب، وتكون المواجهة بين الأطراف.. ساعتها يتجلى الوجه الحقيقي لكل نوع…
في اعتقادي أن الزواج يشبه حبّة جوز مُغرية، تسر الناظرين، ولكنْ ما أن يبادر قاطفها بكسرها، حتى يتجلى له حظه؛ فإما نعيم مقيم، وإما قطعة من جحيم. فقبل أن تدخلوا الجنة، أو تلسعكم نار جهنم، وزعوا أولا كل بطاقاتكم فوق طاولة الحوار. صارِحوا، واتركوا بعدها الاختيار واتخاذ القرار للطرف الآخَر.
وحتى لا أكون متحيزة لبنات جنسي، نحن معشر النساء، فليكن الزواج قائما على جرد عام للعيوب، وليس لِمَ في الجيوب؛ وعلى التوغل في الجوهر، لا الإعجاب بالمظهر. ففي النهاية، لا يصحّ إلا الصحيح!