ندوة فكرية بالدار البيضاء تناقش سردية الارض و الذات داخل الادب الروائي الفلسطيني

سمير السباعي

تشكل الرواية جنسا أدبيا تعبيريا يحاول من خلاله الروائي أن يرسم تفاعلا انسانيا معينا مع قضايا الوجود والحياة والذات بشكل يجعل المتلقي يعيش مع تفاصيل المتن المروي و يرسم من خلاله عوالم ذهنية تنطق بما تمكن هذا القارئ أو ذاك من رصده داخل العمل ككل، قبل أن تأتي محطة القراءة النقدية الرصينة لتكشف و تساؤل بعمق أكبر المعمار العام للعمل الروائي المدروس. ضمن هذا السياق حلت الرواية الفلسطينية ضيفا على ندوة فكرية تم تنظيمها بالدار البيضاء يومه الخميس 19 اكتوبر 2023 على الساعة 9:30 صباحا بفضاء قاعة عبد الواحد خيري بكلية الاداب والعلوم الانسانية ابن مسيك بنفس المدينة من طرف مختبر اللسانيات التابع لنفس المؤسسة المذكورة. حيث شكل هذا اللقاء الثقافي مناسبة حرص من خلالها المنظمون على رصد واقع الكتابة الروائية الفلسطينية في ارتباط بالشعار المرفوع خلال هذا الملتقى وهو سرديات الارض والذات، عبر مداخل بحثية متعددة حاول من خلالها باحثون في الادب و مختصون من مشارب معرفية متنوعة ان يناقشوا العمق الادبي داخل مجموعة من الروايات الفلسطينية و مدى الممكنات التي تنطق بها في اتصال بالكشف عن تراجيديا الالم الفلسطيني و ما يخلفه الاحتلال الصهيوني من تأثير على واقع الارض والانسان بشكل جعل من الكتابة الروائية مساحة أخرى لتوثيق التراجيديا الفلسطينية و البحث من خلالها عن مساحات من الامل المفقود . في هذا الاطار اخترنا داخل هذه المساحة الاعلامية ان نسلط الضوء على بعض القراءات النقدية التي جاءت في اطار هذا العرس الفكري. عمل في هذا السياق الباحث محمد زكرياء بنسالم من خلال عرضه الذي عنونه بذاكرة سجنية للمسقبل قراءة في رواية ستائر العتمة للروائي الفلسطيني وليد الهودلي على التأكيد على ان مقروءيتنا للرواية الفلسطينية دائما ما تنساق في الغالب وراء هول الاحداث داخل المتن دون ان ننتبه الى ضرورة مساءلة هذا الأخير على مستوى البناء اللغوي والتعبيري والاستعاري، قبل ان يؤكد بنسالم على ان للمكان سلطة قوية داخل رواية الهودلي وهو ما يجعل قراءته النقدية هدفها الرئيسي ليس البحث في استجلاء العنصر المكاني كرقعة جغرافية وانما رصد قدرته في بناء وصناعة الاحداث والدلالات داخل الرواية نفسها، خاصة ان المكان هنا ونعني به فلسطين المحتلة هو قوة فاعلة و ليس مكانا عاديا حسب بنسالم. وهو ما يجعل هذه الرواية موضوع العرض تثير لدى المتلقي احساسا اخر بالوطن و الزمن والمحلية خصوصا اذا تعلق الامر بمكان كنابلس بزخمه الحضاري وتاريخه النضالي. ولم يفت بنسالم الاشارة الى ان الهودلي استعمل في متنه الوصفي داخل الروايات اوصافا اسقطها على نابلس كدمشق الصغرى وملكة فلسطين بشكل ساهم في عزل نابلس نفسها عن الدلالات المكانية المباشرة عند المتلقي لتسبح بهذا الاخير نحو بعد تخيلي و ممكنات تعبيرية اكبر للوقاءع التي نسجها الروائي ولتجعل منها محركا وباعثا على روح انتفاضة اخرى داخل الرواية لكن هذه المرة بقوة الرشق باللفظ حسب قول بنسالم . وبالتالي وجدنا أنفسنا حسب هذه القراءة النقدية لرواية ستائر العتمة للكاتب الفلسطيني وليد الهودلي امام عمل اخرج المكان (نابلس) من اطاره الواقعي المكاني حسب بنسالم ليعانق عوالم تخيلية منحته قوة جديدة ببعد رمزي فرض نفسه على المقاومة الفلسطينية خصوصا ان تفاصيل الحكي ارتبطت بسرد لوقاءع ما جرى من استنطاق و تعسف في احد مخافر شرطة الاحتلال عبر منجز روائي حاول ان يرسم بلغة مقتضبة عوالم التنكيل الصهيوني ضد المعتقلين الفلسطينيين. وفي قراءة ثانية أيضا ضمن القراءات النقدية التي جاءت في هذا اللقاء الفكري اختار الخامس غفير ان يقارب سوسيولوجيا و في عرض مركز نسبيا رواية يحيى عباد جريمة في رام الله محاولا الانتقال من فهم المتن الحكاءي للرواية الى فهم ابعادها السوسيولوجية التي تحكي عن الالم داخل المجتمع الفلسطيني و شوارع التيه في مدينة رام الله لتعبر عن تمزق حقيقي للذات الفلسطينية التي لم تنجح داخل هذا العمل الرواءي من تكسير واقع الهشاشة المفروض من الاحتلال الصهيوني . و ينبغي الاشارة الى ان مثل هذه اللقاءات الثقافية امكنها ان تتيح للمتتبع العربي رصد القضية الفلسطينية من زوايا نظر اخرى يكون لها أثرها النفسي والانساني العميق عند لحظة التلقي.

Exit mobile version