في إطار العمليات المنظمة لاختتام الموسم الدراسي 2022-2023 شهدت المؤسسات التعليمية العمومية بالمغرب عمليات توقيع محاضر الخروج بالنسبة لأطر هيئة التدريس، في انتظار أن يوقع باقي أطر القطاع، من هيئات الإدارة التربوية والأعوان و أطر التأطير الجهوي والإقليمي و المستشارين في التخطيط التربوي نفس المحاضر، عقب استكمال آخر الترتيبات المرتبطة بإنهاء السنة الدراسية في شقها الإداري والتنظيمي مع إنجاز الإجراءات المرتبطة بالاستعداد للسنة الدراسة القادمة.
صحيح أن الامتحانات الاشهادية التي عاشها التلاميذ في الفترة الأخيرة، قد أفرزت نسبا متفاوتة في معدلات النجاح بين مختلف الجهات في المملكة، حسب الإحصاءات الرسمية التي قدمتها المؤسسات الوصية على القطاع مركزيا وجهويا. لكن ما يهم المتتبع للشأن التربوي في بلادنا أن هذه الاختبارات و إن ظلت تحمل بالنسبة للمتمدرسين والمتمدرسات طابعا إجرائيا ملزما، لاستكمال مرحلة دراسية و تدشين أخرى أو الالتحاق بآفاق تكوينية أو مهنية معينة، فإنها لا تعكس في واقع الحال حسب كثيرين حقيقة منظومة التدريس في بلادنا و التي يعتبرها البعض تتضمن إشكالات عميقة، تستوجب من طرف جميع المتدخلين والفاعلين من القطاع أو خارجه القيام بتشريح دقيق للوضع التربوي والتعليمي العام في المغرب قصد إيجاد أجوبة ملحة على هذا الواقع. خصوصا إذا ما تم الانتباه إلى ما يطرحه المناخ الوطني والدولي حسب آخرين من تحديات اقتصادية و تنموية جديدة، تستلزم ضرورة تكوين جيل مغربي جديد من المنتمين خاصة إلى المدرسة العمومية المغربية، قادر على الانخراط بقوة في صيرورة التنمية ببوصلة هوية وقيم محلية أصيلة ممزوجة بمقومات الكونية و الانفتاح المتعدد الأبعاد على الأنماط الجديدة للتقنية والإبداع دون مركبات نقص أو اضطراب. لكن هل معدلات النجاح المعلن عليها هنا وهناك عبر أكاديميات التربية والتكوين في بلادنا تنطق بهذا الرهان التنموي والحضاري؟ أم أنها لا تعكس إلا نجاحا في التحصيل الدراسي على أحسن الأحوال حسب البعض إن لم نقل مجرد أرقام من منظور فاعلين تربويين عديدين. لقد عبرت الوزارة الوصية في كثير من المحطات أن المغرب قام على المستوى الرسمي بإصلاحات جوهرية تخص قطاع التربية والتعليم بدءا بالميثاق الوطني للتربية والتكوين الصادر سنة 1999 والذي اعتبره البعض حينها، خارطة طريق رسمية جاءت كنتاج لعدد من الدراسات والأبحاث الميدانية و المشاورات الوطنية مع الاضطلاع على تجارب دولية في هذا الباب، من أجل تحديد الإطار العام الجديد الذي يجب أن يؤطر الشأن التربوي و أحوال المدرسة المغربية بمختلف أسلاكها. قبل أن يتعزز هذا الأمر بمحطات إصلاح لاحقة حسب المنظور الرسمي، أهمها تأسيس المجلس الأعلى للتعليم في سنة 2014 كهيأة مركزية منسقة وحاضنة لكل التوجهات داخل المنظومة التربوية ببلادنا وصولا إلى صدور القانون الإطار 17-51 منذ 2019 كوثيقة قانونية ملزمة و منظمة للتوجهات و التدابير ذات الصلة بالقطاع المعني. لكن أمام كل هذه الإنجازات لازال بعض المشتغلين في هذا الأخير من هيئات تدريس وإداريين وأطر الدعم والتوجيه والتفتيش وغيرهم يعتبرون أن الوزارة الوصية، لم تعمل لحد الساعة على حل عدد من الملفات المرتبطة بالترقيات و الحركة الانتقالية و شروط اجتياز المباريات المهنية سواء داخل نفس القطاع أو خارجه، علما أن ما تسميهم وزارة بنموسى بأطر الأكاديميات و من يسمون أنفسهم “أساتذة مفروض عليهم التعاقد” يعتبرون أنفسهم، أكثر ضحايا الأسلوب الجديد في التوظيف الذي أصبحت تنهجه الحكومات المتعاقبة على المغرب منذ 2016 والمبني أساسا، على ما يصفه هؤلاء الاساتذة بنظام تعاقدي مفروض مع الأكاديميات سالب للحقوق كحق الترقية و الحركة الانتقالية الوطنية و الرقم المالي الممركز الذي يضمن لهم الترسيم في الوظيفة العمومية، في حين يعتبر الخطاب الرسمي نفس النظام بأنه توجه نحو توجه ترسيخ التوظيف الجهوي المستجيب لحاجيات تدبير الموارد البشرية على صعيد الأكاديميات الجهوية،. دون أي استراتيجية أو ضمانات قانونية تضمن حسب وجهة نظرة المعنيين أنفسهم أدنى شروط الاستقرار الوظيفي والنفسي، الذي يعتبرونه أساسيا في التأسيس لمناخ من الثقة و التحفيز على بذل كل الجهود المطلوبة للنهوض بالفعل التربوي والتعليمي داخل مدارسنا المغربية العمومية. و تعلق الآن شرائح واسعة من الشغيلة التعليمية آمالا واسعة على النظام الأساسي الموحد، الذي تؤكد الأخبار الواردة من العاصمة الرباط أن وزارة بنموسى تسابق الزمن في إطار مناقشات مكثفة مع النقابات الأكثر تمثيلية في البرلمان من أجل إخراج الورقة النهائية لهذا القانون، إلى حيز الوجود خلال هذه العطلة الصيفية، قبل أن يصبح أمرا واقعا حسب تعبير بعض أساتذة القطاع بداية الموسم الدراسي. هذا الأخير الذي ترفع فيه الوزارة الوصية حسب المقرر التنظيمي رقم 0.19.23 الذي أصدرته نفس الجهة شعار “من أجل مدرسة ذات جودة للجميع” في حين يتطلع الموظفون في القطاع التعليمي إلى إطار قانوني جديد يسمح بإيجاد ما يسمونه شروط العدالة المهنية و الوظيفية لكل الفات دون أي منطق إقصاء أو تهميش. و يبقى السؤال مطروحا حسب كثيرين هل سيظل الشأن التربوي والتعليمي في بلادنا رهينا هذه التجاذبات للعاملين فيه دون مراعاة لمصالح كل الأطراف. أم أن الأمر يستوجب جسورا من الثقة و الحلول الواقعية التي تساهم في بروز منظومة تعليمية قوية قادرة على الاستجابة لتحديات الراهن، و متطلبات تكوين شباب مغاربة معتزين بانتمائهم للوطن و بهويتهم المتعددة الروافد الحضرية و متسلحين في نفس الآن بعدد من المهارات والكفايات التي تحقق لهم فعلا اندماجا حقيقيا في منطق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الجديد المبني، على صناعة المبادرة الحرة.