الجامعة المغربية و نقاش علمي حول محطات من التاريخ الحزبي ببلادنا
بقلم سمير السباعي
شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدار البيضاء، وبالضبط مدرج عبد الواحد الشرايبي يومه السبت 15 يوليوز 2023 على الساعة العاشرة صباحا مناقشة أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ من طرف الطالب الباحث المصطفى العوني حول موضوع” حزب الاستقلال من إعادة التأسيس إلى وفاة علال الفاسي1959-1974م”، حيث كان اللقاء مناسبة علمية لتسليط الضوء على جانب مهم من تاريخنا السياسي المغربي الراهن.
وقد حرصت لجنة أساتذة المناقشة لهذا البحث العلمي على سؤال صاحب الأطروحة حول الإشكاليات المركزية التي أطرت إنتاج هذه الأخيرة و فرضياتها و القضايا التاريخية التي عمل الباحث على دراسة سياقاتها ودلالاتها بالنسبة لفترة زمنية من تاريخ المغرب بعد الاستقلال، في ارتباط وثيق بالأدوار التاريخية الممكنة التي لعبها الراحل علال الفاسي في التاريخ السياسي لحزب الاستقلال خلال نفس الفترة.
ضمن هذا السياق جاءت مداخلة الدكتور وأحد الخبراء المتخصصين في التاريخ السياسي الراهن للمغرب والمشرف الفعلي لهذه الأطروحة، الأستاذ محمد معروف الدفالي ليؤكد من خلالها هذا الأخير أن الأطروحة شكلت بالنسبة للباحث المصطفى العوني تحديا حقيقيا، و ذلك على مستوى مدى قدرته في الجمع بين ما يتطلبه انتمائه الحزبي كعضو فاعل ونشيط في حزب الاستقلال من ذاتية وبين ما تفرضه قواعد البحث العمي الصارمة التي ل اتعترف إلا بخطاب الموضوعية.
وحقيقة فالطالب العوني كان يأمل منذ البداية حسب إفادة معروف الدفالي في إنتاج كتابة تاريخية تحاول كتابة تاريخ الحزب المذكور منذ نشأته، لكن عمومية هذا الطرح جعلت الأستاذ المشرف يذهب في اتجاه تحقيق تعاون بحثي مع الطالب الباحث من أجل وضع التحولات التاريخية التي سيشهدها حزب الاستقلال منذ انشقاق رفاق الراحل عبد الرحيم بوعبيد سنة 1959 عن هذه الهيئة السياسية تحت مجهر السؤال التاريخي، وصولا إلى رصد الأدوار الجديدة لعلال الفاسي كزعيم فعلي للحزب خلال نفس المرحلة.
وهي فترة التي لازالت محتاجة للبحث أكثر لما تطرحه من إشكالات مهمة حسب تصريح الدفالي دائما. أما عن دلالات الإطار الزماني لهذه الأطروحة فأشار نفس الأستاذ إلى أنها منسجمة مع فترة عمل فيها الراحل علال الفاسي، على لعب أدوار أكثر حضورا داخل الساحة السياسية للمغرب عامة وحزب الاستقلال بشكل خاص، حيث حاول تجاوز الهوامش الضيقة للفعل و الممارسة التي فرضت عليه من طرف الزعامات الرباطية السابقة للحزب من خلال العمل على إعادة ترميم هذا الأخير تنظيميا وإيديولوجيا.
لكن حتى وإن أشاد نفس المتدخل بالمجهود الكبير الذي بذله الطالب الباحث داخل هذه الأطروحة فإنه اعتبر أن العمل انزاح نسبيا عن الأفق، الذي كان منتظرا منه حيث غلب الخطاب السردي داخل مساحات واسعة من هذا البحث الذي رام من خلاله صاحبه البحث و تجميع تفاصيل كثيرة حول تاريخ الحزب أكثر من الاشتغال على تحليل إشكاليات الأطروحة الحقيقية. في هذا الإطار أكد عضو لجنة المناقشة الدكتور مصطفى لخليف على أن هذا البحث كان من المنتظر منه أن يجعل من شخصية علال الفاسي السياسية نافذة لقراءة الواقع السياسي المغربي نفسه، في العقد الأول من الاستقلال و ذلك للتصدي لما أسماه بالأضاليل التي روجت لها الصحافة الفرنسية بخلفية استعمارية حينها حوال تطورات الأحداث والمواقف في الساحة السياسية المغربية إبان نفس الفترة.
أما مرافعة الدكتور صالح شكاك داخل نفس اللجنة فقد شددت أولا، على الإشادة بالمجهود التركيبي المنجز من طرف الباحث داخل هذا العمل العلمي و ثانيا، على تقديم مجموعة من الملاحظات حول هذا البحث حيث اعتبر شكاك أن صعوبة تحديد تحقيب حال للزمن الراهن بالمغرب أربكت نوعا ما الزمن التاريخي داخل هذه الأطروحة، التي لم يستطع صاحبها حسب الشكاك دائما التخلص من جبة الفاعل الحزبي، طالما أنه اتجه كثيرا للحديث عن حزب الاستقلال دون إبراز علاقات هذا الأخير بباقي الأحزاب و قضايا المجتمع خلال المرحلة الزمنية موضوع البحث، داعيا الباحث إلى مزيد من التصويب المنهجي لهذه المادة العلمية.
وقد اعتبر الدكتور لحسن مادي عضو نفس اللجنة على أن هذا البحث الأكاديمي إضافة نوعية و جرأة في اختيار موضوع دقيق و محاولة للنبش في ذاكرة حزب الاستقلال من خلال اختيار الفترة التي جاءت مباشرة بعيد استقلال المغرب و التي عرف فيها المشهد السياسي المغربي صراعات سياسية و إيديولوجية كادت حسب نفس المتدخل أن تعصف بالاستقرار العام بالبلاد، مع دعوته الطالب العوني إلى أن يستثمر هذه الأطروحة في إنتاج كتيبات علمية متنوعة المواضيع لها علاقة مباشرة بموضوع الأطروحة.
أما الدكتور عبد القادر أزداد الذي عمل على تنسيق فقرات هذا اللقاء العلمي، فقد حرص في مداخلة له على الإشادة بالمجهود المبذول داخل هذا العمل معتبرا أنه يصعب بما كان أن نفصل الذاتي و الإيديولوجي عن الجانب الموضوعي في أي بحث علمي، داعيا إلى ضرورة الانفتاح على باقي العلوم الاجتماعية المساعدة لإنتاج خطاب تاريخي متكامل يضع كل مفهوم في تاريخيته الخاصة.
و قد حصل الطالب الباحث المصطفى العوني بعد مناقشات اللجنة على شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا. للإشارة فهذه المناسبة العلمية عرفت حضور جمع غفير من الفاعلين السياسيين والجمعويين و الباحثين من داخل الدار البيضاء و خارجها.