ندوة فكرية بالدار البيضاء تناقش الافق التنموي للمسرح المغربي اليوم
سمير السباعي
تطرح الممارسة المسرحية في بلادنا اليوم عدة تساؤلات خاصة المرتبطة منها بالافق التنموي الذي يمكن ان تؤسس له داخل المشهد الثقافي المغربي.
ضمن هذا السياق وفي اطار مهرجان سيدي مومن للمسرح بالدار البيضاء الذي تم تنظيمه في دورته الثالثة نهاية الاسبوع المنصرم من طرف جمعية معالم النور الثقافات والفنون بدعم من وزارة الثقافة والشباب والتواصل و بتنسيق مع عدد من المؤسسات العمومية والخاصة تم عقد ندوة فكرية يومه الجمعة 20 اكتوبر 2023 على الرابعة زوالا بالمركب الثقافي حسن الصقلي بنفس المدينة حاول من خلالها عدد من المنتمين الى الفن المسرحي مناقشة واقع المسرح المغربي اليوم في ارتباطه بالتنمية الثقافية سواء تعلق الامر بالشاعر والناقد جواد مرزوق أو بالباحث في النقد المسرحي محمد المودن أو بالفاعل التربوي و المدرب في مهارات التنمية الذاتية محمد ظريف الادريسي بالاضافة الى احد قيدومي الكتابة المسرحية في المغرب المسكيني الصغير.
و قد انصبت جل المداخلات على مقاربة واقع الفن المسرحي اليوم ببلادنا و افاقه التنموية من مداخل متعددة، ركزت في مجملها على أزمة ثقافية يعيشها المجتمع المغربي خاصة في ما له علاقة بالفرجة المسرحية الهادفة و العميقة والتطهيرية بالنعنى الارسطي في ظل تراجع ادوار المؤسسات التعليمية و انحصار دور المجتمع المدني الفاعل في الميدان الثقافي لغياب الدعم والبرامج الواضحة وسط تدني المستوى التعليمي والقراءي عند المتلقي المغربي اليوم الامر الذي يدعو الى ارادة حقيقية من مختلف الفاعلين للنهوض بالعمل المسرحي الحالي و جهله يناقش بعمق قضايا الساحة المغربية. و لا ننسى ان مناقشات الندوة حرصت في جانب منها حرصت التأكيد على الجانب التربوي للفن المسرحي طالما أنه فرصة لكل فات المجتمع المغربي لتعلم ابجديات التواصل و الاتصال مع الجمهور واكتساب فن التخاطب والانصات و التدرب على مهارات حسية حركية تجعل من ابي الفنون رافعة تنموية ان صح التعبير في انسجام تام مع قوة حضور التشخيص بمفهومه المسرحي داخل التجربة الانسانية الكونية ككل بما فيها أنماط الثقافات المحلية ببلادنا والتي تعانق في جانب مهم منها الفن المسرحي بشكل او باخر.
و من ما يمكن تسجيله أيضا خلال هذه الندوة أن مساحة منها ركزت على الدور الريادي الذي كان يضطلع به الاعلام العمومي ببلادنا في العقود الماضية حينما كان فاعلا في دعم الاعمال المسرحية سواء عبر تنشيط الدعاية الاعلامية لها او عبر فسح النقاش الثقافي العمومي حولها بشكل عزز من حضور الفعل المسرحي في المشهد المغربي ككل، الامر الذي يدعو حسب نفس القراءة الى ضرورة تكثيف الجهود حاليا بين كل المتدخلين خاصة الجماعات المحلية لانعاش المواعيد المسرحية الثقافية البعيدة عن الطقوس الفلكلورية المستهلكة ضمن منطق تنموي يأخذ بعين الاعتبار باقي أشكال التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
صحيح أن قراءة فكرية جاءت خلال هذا العرس الثقافي قد اكدت على ان البعد القراءي للعمل المسرحي يجب ان يكون حاضرا في اي حديث عن الجانب التنموي للمسرح على اعتبار ان نصوصا مسرحية تظل صالحة للقراءة بمعناها الدلالي و غير مهيأة لتكون موضوع عرض مسرحي ما جعل قراءة فكرية أخرى تنبعث من داخل هذا الملتقى الفكري و لتشير الى ان منطق اللغات الدرامية النشيطة تجاوز هذا المعطى و اصبح بامكانه دعم عرض أي نص مسرحي كيف ما كان موضوعه أو بناءه، على اعتبار ان الاشكال الحقيقي حسب هذه الزاوية في النقاش مرتبط بغياب ارادة سياسية عمومية واضحة المعالم تجعل من المسرح رافعة حقيقية للتنمية الثقافية تتناغم مع الزخم المسرحي في بلادنا بالامس خاصة على مستوى تجارب المسرحين المدرسي و الجامعي اللذين ساهم في اشعاعهما مبادرات فردية لمسؤولين كانوا مؤمنين بأهمية المسرح التربوية والتثقيفية والتي ضمنت الى حد ما تحويل المدرسة العمومية حينها الى مشتل لانبات الطاقات المسرحية.
و لتسمح هذه الارادات المنشودة ايضا بتدارك قصور الاعلام اليوم في تأطير ودعم الفرجة المسرحية طالما أن التربية المسرحية ليس لها حضور عند اغلب الممارسين للاعلام الثقافي. و قد كان هذا اللقاء الفكري ايضا فرصة لتدخل عدد من الجمهور الحاضر حيث اتجهت بعض المداخلات مثلا نحو التاكيد على ضرورة الاهتمام بكل الافاق التنموية الثقافية للمسرح كفضاء مكاني بما يتضمنه من عناصر فرجة اخرى غير محصورة فقط في النص المسرحي بما فيها الديكور وقاعة العرض. أو الاشارة و ما الى محدودية حضور النصوص المسرحية في المقررات التعليمية بالمغرب اليوم و التي لا تلزم التلاميذ بالاشتغال عليها قراءة وتحليلا طالما انها غير مرتبطة بالامتحانات الاشهادية، قبل ان تؤكد اخرى على ضرورة فتح نقاش عمومي أكبر على شكل مناظرة وطنية لمناقشة اعمق لقضايا المسرح المغربي اليوم و افاقه التنموية الممكنة. لا ننسى ان هذا الحدث عرف توقيع احد قيدومي الكتابة المسرحية في المغرب المسكيني الصغير لاخر نصوصه في هذا الباب وهي الرامود و السقاءين .