مجتمع

مغاربة العالم يحتفلون بيومهم الوطني في ظل السؤال عن مساهمتهم التنموية داخل الوطن الأم

بقلم سمير السباعي
يحتفي المغرب في العاشر من غشت كل سنة باليوم الوطني للجالية المغربية بالخارج، و هي مناسبة للوقوف على الدلالات القوية التي يحملها هذا الاحتفاء الرسمي بالمهاجرين المغاربة بالخارج والذين راكموا على مدى عقود طويلة من الزمن تاريخا من الهجرة إلى بلدان عديدة في العالم، حيث تبقى القارة الأوروبية الوجهة الأكثر استقطابا لهؤلاء.
صحيح أن الإنسان المغربي بشهادة دروس التاريخ قد عبر مبكرا عن نزعة نحو التنقل خارج حدود بلاده و الذهاب نحو مناطق أخرى إما لدواعي اقتصادية مرتبطة بالنشاط التجاري أساسا أو البحث عن ممكنات العيش الأفضل بمناطق أخرى أو لدواعي دينية مرتبطة بمواسم الحج نحو الديار المقدسة –الحجاز- أو لدواعي ثقافية من خلال قيام عدد من الرحالة المغاربة برحلات طويلة إلى نقاط بعيدة كالهند والصين مرورا ببعض بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، رغبة في تعزيز الصلات الروحية و الصوفية مع بعض الساكنة المسلمة في هذه المجالات بالإضافة إلى البحث عن إشباع نزعة الاستكشاف لثقافة الآخر لدى البعض، وهو ما تعبر عنه بقوة رحلة ابن بطوطة الشهيرة.
انطلاقا من هذا يظهر أن هجرة المغاربة نحو الخارج ليست وليدة اليوم وإنما هي نتاج ممارسات تاريخية تعززت مع المنطق الذي فرضته إدارة الحماية الفرنسية بالمغرب إبان مرحلة الاستعمار أواسط الفرن العشرين، حيث عملت على توجيه عدد من المغاربة للتوافد على فرنسا كيد عاملة رخيصة و بكثافة عددية، تصاعدت حتى بعد نيل البلاد المغربية لاستقلالها ليس فقط نحو الديار الفرنسية وإنما نحو عدد من الأقطار الأوروبية الأخرى كإيطاليا و بلجيكا وألمانيا في ظل ما عرفته هذه البلدان من حاجة ماسة إلى العنصر البشري عقب الخسائر الكبيرة التي خلفتها الحربين العالميتين الأولى و الثانية والتي أدت إلى خلل ديموغرافي داخل الساكنة الأوروبية لازالت انعكاساته مستمرة إلى الآن.
و قد كان لهذا السياق العالمي دور كبير في تعزيز حركة هجرة عدد كبير من المغاربة نحو الخارج رغبة في استثمار الفرص التنموية التي كانت واعدة بقوة آنذاك، الأمر الذي شكل إطارا لظهور جالية مغربية قوية العدد و واسعة الانتشار في عدد من البلدان خاصة بأوروبا و التي قوت من حضورها داخل مجتمعات الإقامة مع توالي العقود بشكل أفرز بروز أجيال مغربية مزدوجة الثقافة واللغة، لكن بهوية ترنو إلى أن تظل متعلقة بجذورها المغربية العميقة.
وحقيقة يشكل العاشر من كل غشت عبر هذا الاحتفال بمغاربة المهجر فرصة للوقوف على مدى المساهمة التي يمكن أن يقدمها مغاربة العالم إلى بلدهم الأصلي في ظل الحركية التنموية الجديدة التي تشهدها بلادن،ا ضمن سياق ثقافي و اجتماعي أصبح يفرض ضرورة تحريك مبادرات الأفراد والمجتمع المدني لخلق آفاق تنموية بمنطق اقتصادي جديد يعتمد على الابتكار و تحسين شروط الإبداع في مختلف المجالات بما يضمن استفادة أكثر شرائح المجتمع خصوصا المهمشة منها أو الأقل إمكانيات من الناحية الاجتماعية والاقتصادية.
هنا يبدو الرهان على أفراد جاليتنا المغربية بالخارج مشروعا طالما أن عدد من أفرادها، هم ينتمون في الأصل إلى مناطق في مغربنا العميق مناطق تعتبر فيها الفرص التنموية محدودة إن لم تكن شبه منعدمة لاعتبارات متعددة، وبالتالي فالرأسمال المعرفي و المادي لدى هذا المغربي المهاجر أو ذاك يمكن أن يكون قابلا للاستثمار والتوظيف في مشاريع تنموية ذات طابع محلي في تلك المناطق بما يعزز من فرص الشغل لدى كثيرين مع إمكانية ولادة أنشطة مدرة للدخل على طول السنة، شريطة أن تتوفر الروح الوطنية لدى هؤلاء المهاجرين من أبناء الوطن كشرط أولي أساسي للاستثمار في أرض الوطن الأم.
و لا يمكن تصور هذا الأفق التنموي دون حديث عن ضرورة توفير كل الشروط الموضوعية المحفزة لاستقطاب هؤلاء من تبسيط حقيقي وعملي للإجراءات والمساطر الإدارية المعمول بها في هذا الباب ضمانا لولادة تلك المشاريع واستمراريتها، و هي أهداف يبقى تحققها رهين انخراط الجميع بطبيعة الحال من مؤسسات الدولة و القطاع الخاص و جمعيات المجتمع و هيآت الجالية بالخارج عبر استراتيجية وطنية واضحة المعالم. الأمر الذي سيحقق أولا، الحفاظ على مكنونات الهوية المغربية داخل صفوف أبناء الجالية و ثانيا، سيمكن من بناء قنوات اتصال حضاري بين هذه الفئة وباقي أفراد المجتمع المغربي لكن بمنطق تنموي يحقق المصالح لكل الأطراف، و ثالثا يعمل على تحفيز الأدمغة المغربية المهاجرة على استثمار تجربتها العلمية والمؤسساتية الدولية في تجارب تنموية وطنية داخل الوطن الأم بشرط أن تجد تلك الكفاءات مناخا حقيقيا للعمل و المبادرة بعيدا عن الخطابات والشعارات الدعائية الرنانة التي تصدح بها هذه الجهة أو تلك.
و تبقى هذه التطلعات رهينة في تحققها بحتمية توفر الحس الوطني لدى كل الفاعلين، مع ضرورة توظيف الإشعاع العالمي الذي تحققه الرياضة المغربية في مناسبات دولية عديدة بشكل عزز من بروز وجه مشرف للروح الوطنية المغربية الجماعية القادرة على صناعة المستحيل في ظل رؤية ملكية سامية ما فتئت تؤكد على أن يخدم المغربي وطنه أينما حل وارتحل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى