مدينة غرناطة ، رمز الوجود الإسلامي في الأندلس

بقلم ذ.عبد الله الدويب

playstore

تشير الحفريات الأثرية إلى أن تاريخ مدينة غرناطة الإسبانية يعود للقرن السابع قبل الميلاد ، غير أنها لم تعرف ازدهارها ، تاريخيا وحضاريا ، إلا بعد الفتح الإسلامي سنة 711 للميلاد .
وسقطت غرناطة سنة 1492 بعد عشر سنوات من المعارك مع الكاتوليك ، وبعد ما يقرب من ثمانية قرون من حكم الدولة الإسلامية ، فتحولت المساجد إلى كنائس ، في محاولة يائسة من النصارى ، لمحو كل آثار الحضارة الإسلامية..
إن كلَّ شىء إلى زوال ، حتى ولو تعلق الأمر بدولة وحضارة إسلاميتين عمَّرتا في شبه الجزيرة الإيبيرية لما يربو عن ثمانية قرون.. وقد بكى الأدب العربي الأندلسي ، قديمُه وحديثُه، نثرُه وشعرُه بكل بحوره ، تلك المآسي الأليمة .
فَلْنَبْقَ إذن في أجواء هذه المآسي ، وما ارتبط بها من انهيار للوجود الإسلامي في الأندلس ، وما رافق تلك الأحداث المؤسفة من أدب رصين وشعر عذب ، تنشطر له الأفئدة ، وتقشعر له الأبدان ، لعلَّ أجملَه تلك المرثية الدالية الخالدة التي فاضت بها قريحة الشاعر السوري الكبير نزار قباني ، فأبدع أيما إبداع في اختزال تاريخ المغاربة في الأندلس ، الأمازيغ منهم والعرب ، بقصيدة شعرية ، بسيطة في تعابيرها ، ولكنها غاية في الجمال واستقراء التاريخ على ابواب قصر الحمراء بغرناطة .
وقف رحمه الله بمدخل القصر فلمح فتاة إسبانية فاتنة ، كل ملامحها مغربية ، شمال إفريقية خالصة. لم يتردد في مخاطبتها وسؤالها عن تاريخ أجدادها ، وإخبارها ، من خلال الصور الشعرية الجميلة ، أنها حفيدة طارق بن زياد .
وإليكم الحديث البديع الذي دار بينهما .

– في مدخل الحمراء كان لقاؤُنا

ما أطـيب اللقـيا بلا ميعادِ

– عينان سوداوان في حَجَرَيٰهِما

تتوالـد الأبعاد مـن أبعـادِ

– هل أنتِ إسبانيةٌ ؟ ساءلْـتُها

قالت: وفي غـرناطةٍ مِيلادي

– غرناطةٌ ! وصَحَتْ قرونٌ سبعةٌ

في تَيْنِـكِ العيْنين.. بعد رُقادَ

– وأُمَـيَْةٌ راياتُها مرفوعـةٌ

وجيـادُها موصـولةٌ بِجِيـادِ

– ما أغرب التاريخَ كيف أعادني

لحفيـدةٍ سـمراءَ مِنْ أحْفادي

– وجهٌ دِمشـقيٌّ رأيتُ خـلاله

أجفانَ بلقيسٍ وجِيـدَ سعـادِ

– ورأيت منـزلنا القديم وحجرةً

كانـت بها أمّي تمُدُّ وِسـادي

– واليـاسمينةُ رُصِّعـَتْ بنُجومِهِ

والبِركـة الذهبيـة الإنشـادِ

– ودمشقُ،أين تكون؟قلتُ تَريْنَها

في شعـرك المنساب ..نهرَ سوادِ

– في وجهك العربي،في الثَّغْرالذي

ما زال مُختـزِلاً شمـوسَ بِلادي

– في طيب“جنات العريف”ومائِه

في الفلِّ، في الريحـان، في الكَبٌّادِ

– سارتْ معي..والشَّعْرُ يلهثُ خَلْفَها

كسنابـلٍ تُرِكَـتْ بغيـرِ حَصادِ

– يتألَّـقُ القِـرْطُ الطـويل بِجِيدِها

مثـل الشموع بليلـة الميـلاد..

-ومـشيتُ مثلَ الطفل خلف دليلتي

وورائِيٌ التاريـخُ كُـومُ رمـادِ

– الزخـرفات.. أكاد أسمع نبـضَها

والزركشات على السقوف تنادي

– قالت: هنا “الحمراء”زَهوُ جدودِنا

فاقـرأ على جـدرانها أمجـادي

ً- أمجادُها؟ ومسحتُ جرحاً نـازفاً

ومسحتُ جرحاً ثانيـاً بفـؤادي

– يا ليتَ وَارِثَتِي الجمـيلةَ أدركـتْ

أنَّ الـذين عَـنَتْـهُمُ أجـدادي

– عانـقتُ فيهـا عنـدما وٌدَّعْتُها

رَجُلاً يُسمَّـى “طـارق بن زياد”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

playstore
زر الذهاب إلى الأعلى