الجامعة المغربية تناقش بحضور الفاعل الجمعوي “سؤال التحديث داخل منظومة الفكر السياسي العربي”

بقلم سمير السباعي

playstore

يعتبر استنطاق الفكر العربي السياسي و تتبع سياقات تشكله التاريخية مطلبا رئيسيا لفهم محددات انتاج الفعل السياسي داخل المنظومة العربية بشكل عام و البنية الفكرية المغربية بشكل خاص في ارتباط ببعض المفاهيم المؤسسة لهذا الفعل والتي لا تزال تفرض حمولتها الى الان، سواء على مستوى الخطاب أو افاق الممارسة المستمرة والممكنة خاصة أن الرهان يظل هو تأصيل بنية حداثية بشكل او باخر داخل منظومتنا الفكرية. ضمن هذا السياق نظم فريق البحث في فلسفة القانون و الفكر السياسي المعاصر التابع لمختبر أبحاث للتكامل المعرفي في العلوم الانسانية و الاجتماعية بكلية الاداب و العلوم الانسانية المحمدية بشراكة مع مركز الدراسات و الأبحاث الانسانية ( مدى) يومه الخميس 14 دجنبر 2023 على الساعة العاشرة والنصف صباحا بمدرج الامام مالك برحاب نفس الكلية المذكورة لقاء فكريا خصص لقراءة و تقديم كتاب” التحديث و أزمة العقل السياسي العربي_ قراءات في الفكر السياسي المعاصر” للدكتور مراد الزوين و ذلك بمشاركة عدد من الباحثين الذين حاولوا التفاعل مع هذا المنجز الفكري من مداخل قراءية متنوعة. ينبغي الاشارة أولا أنه وحسب التقرير الاخباري الذي نشره مركز مدى على موقعه الرسمي بالفايس بوك الخاص بهذا الحدث الثقافي فان الدكتور عبد الله المتوكل كرءيس للجلسة حاول في البداية أن يقدم تعريفا أوليا وعاما للكتاب موضوع القراءة مشيرا في هذا الاطار الى أن أغلب المباحث و المفاهيم النظرية داخل هذا الأخير تستمد راهنيتها من ما تعرفه الساحة العربية من تجاذبات محركها الأساس السلوك السياسي الغربي اتجاه المنطقة. في حين و حسب نفس تقرير مركز -مدى- فان الدكتور عبد الحميد بن الفاروق عميد كلية الاداب و العلوم الانسانية المحمدية فضل أن يقارب كتاب الزوين من منظور تربوي مؤكدا في هذا السياق، على القيمة التوثيقية و الديداكتيكية لهذه الدراسة التي قدمت مجموعة من المفاهيم ضمن قالب بيداغوجي يسمح للطلبة الباحثين حاليا من تتبع عمق الموضوع ومناقشة عدد من الأسئلة القديمة التي اعتبرها بن الفاروق لازالت قابلة لأن تطرح من جديد اليوم على مشهدنا السياسي العربي خاصة أمام التحولات الكونية السريعة التي يشهدها كل العالم، والتي أصبح لزاما معها تحديد ممكنات الاستمرار في الحديث عن ما سماها ” سلطة النموذج” ؟ أم أن الراهن اليوم يفرض علينا وجود تعدد لسلط مرجعية متعددة؟. و حقيقة لا يمكن لأي اعلامي مغربي الا أن يسجل بدوره تفاعلا مع ما عرفه أطوار هذا اللقاء الفكري، و هو ما نحاول نحن ابرازه داخل هذا المقال انطلاقا أولا،من المساحة التفاعلية التي نتجت بفضل حضورنا لهذا الحدث تزامنا مع جزء من مداخلة الدكتور عز الدين العلام، وثانيا، من خلال حرصنا الشديد على مد جسور التواصل بين القارىء المغربي و بين ما تطرحه الجامعة و جمعيات المجتمع المدني اليوم في بلادنا من أسئلة تعتبر ذات راهنية وقيمة كبيرة. في هذا الاطار نسجل أن الباحث المختص في الفكر السياسي الدكتور عز الدين العلام كان حريصا في هامش مهم من كلمته، على التأكيد بأن استمرار الحديث عن مفهوم النهضة داخل الممارسة السياسية العربية حاليا أصبح متجاوزا بالمنطق التاريخي، الذي يفرض في ظل معطيات الواقع السياسي العالمي حتمية تجاوز مصطلح الدولة الوطنية بمفهومها الضيق طالما أن الكونية العالمية في الراهن أنتجت انفتاحا في التواصل و التبادل الذي لا يؤمن بالحدود المغلقة حسب تعبيره. وبالتالي ربط العلام بين هذه التحولات في المنظومة العالمية و بين ما يعرفه الفكر الديمقراطي نفسه من تساؤلات و نقاش جعلت الحديث عن اختيارات أخرى أمرا مطروحا بقوة، الأمر الذي ينطبق حسب تحليل نفس المتدخل على المشهد المغربي الذي يتميز حسب وجهة نظره بحركة اجتماعية ضعيفة نسبيا أثرت سلبا على امكانية بروز قوى مجتمعية حية تكون قادرة على قيادة المجتمع المغربي بكل تطلعاته، و هو ما يستلزم ضرورة استمرار حضور الدولة كفاعل أساسي يمكن أن يقوم بهذا الدور القيادي للحركة الاجتماعية المغربية كما هو الحال في بعض النماذج الدولية مثل الصين وتركيا حسب العلام دائما. و لم يفت هذا الأخير التأكيد داخل هذه القراءة الخاصة على أن أهم ما جاء في كتاب مراد الزوين و ان تم بشكل ضمني غير واضح حسب تعبيره، فهو محاولته نقاش العلاقة الجدلية ان صح تعبيرنا بين القواعد القانونية بطابعها المدني المعروف، وبين الأحكام الدينية داخل الشريعة الاسلامية، و هو سؤال يستمد مركزيته حسب العلام من ما تثيره حاليا بعض مضامين مدونة الأسرة في المغرب المطروحة للتعديل من نقاش عمومي قوي الى جانب الحضور المستمر لمساحة المتن الديني داخل منظومتنا التعليمية بشكل يطرح معه ضرورة تسليط الضوء على بعض المفاهيم و المصطلحات المدرسة دخل مادة التربية الاسلامية والتي أصبحت متجاوزة بقوة المنطق حسب نفس المتحدث، بما يتعارض مع الأفق الأخلاقي المدني المرغوب فيه على صعيد الممارسة. معتبرا في هذا المضمار أن المدرسة الغربية لازال يمكن اعتبارها مرجعا رئيسيا لبناء أي مشروع تقدمي في بلادنا. في حين اعتبر الدكتور محمد جليد المترجم و الباحث في الدراسات الانجليزية أن القيمة الفكرية لمنجز مراد الزوين تكمن في أنه، استطاع تقديم قراءات متنوعة لعدة مدارس فكرية تنتمي لتاريخنا السياسي العربي عبر منهج مقارناتي واضح عمل من خلاله الكاتب على رصد أوجه التقاطع و التمايز ان صح التعبير بين عدة تجارب فكرية سياسية من المغرب والمشرق داخل نسق عام غلب عليه البعد التحليلي للقضايا والموضوعات المطروحة داخل نفس المقروء. و قد كان جليد حريصا في التذكير بالسياق التاريخي العام الذي يأتي فيه اصدار هذا الكتاب خاصة داخل المشهد المغربي، الذي يطبعه الجمود السياسي و نكوص دور الفاعل الحزبي و تراجع عام للعمل الاعلامي و المدني داخل مناخ من الاحتقان الاجتماعي الذي تحركه مطالب احتجاجية هنا وهناك، تنشد تحسين واقع اقتصادي أو ممارسة أنفاس تعبيرية متعلقة بمجموعة من الحريات والحقوق السياسية حسب نفس المتحدث. الا أن هذا الأخير حاول أن يناقش مسألة التحديث المطروحة داخل كتاب الزوين من خلال الاشارة الى الثقل التاريخي الذي يختزله هذا المفهوم، كتعبير عن مجموعة من الفرص الضائعة تاريخيا و الرغبة المستمرة في ممارسة التحديث على عدة مستويات ثقافية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية على الأقل على مستوى الخطاب ان صح التعبير، بشكل يجعل من الأهمية بمكان حسب جليد ضرورة الانتباه الى الثنائيات التي غالبا ما تحضر عند أي حديث عن التحديث في الممارسة الفكرية و السياسية العربية والتي تمثلها مجموعة من التقابلات مثل التقابل بين التقليد و التحديث و القانون والشريعة. وبالتالي فاستمرار حضور هذا النمط من المقابلة المفاهيمية بحديتها القاطعة حسب نفس المتدخل يربك واجب الانتباه الى المنعطفات التاريخية القادرة على تجاوز القطيعة و البناء على خصائص الواقع المحلي و سياقه لبناء أفق تحديثي غير مرتبط بشرطية استيراد و اسقاط تجارب الاخر الغربي. صحيح أن هذا الأخير حسب قراءة جليد قد فرض نموذجه التحديثي على صعيد المشهد العالمي عبر مسار طويل من المحطات التاريخية، التي شمل فيها التغيير كلا من المنظومة الدينية داخل أوربا مرورا بالزخم الذي منحته الاكتشافات الجغرافية للواقع الأوروبي اضافة الى ازدهار المؤسسات الجامعية و وصولا الى نزعة التوسع الامبريالي التي أكدت تفوق الاخر في لحظة من لحظات التاريخ البشري العالمي، الا أن هذا لم يمنع المتحدث نفسه من التأكيد على أن هذه الحداثة الأوروبية التي يتم دائما التسويق لها كنموذج مرجعي كانت سببا في تعطيل ان لم نقل منع بروز أشكال أخرى من الحداثة، كانت قابلة للظهور في مناطق أخرى من العالم، ضمن سياقات و خصوصيات محلية داخل هذه المنطقة أو تلك، مثل ايران و الهند. وبالتالي فمشروع التحديث في أغلب مناطق العالم ضمن هذا المستوى من التحليل لجليد يظل مرتبطا بضرورة استيراد نماذج مرجعية جاهزة دون امكانية بناء تجارب تحديثية ذاتية تستثمر المقدرات والخصائص المحلية و هو ما يظهر على أنه متعذر بالنسبة لواقعنا العربي الذي لازال سؤال السيادة فيه رهين بما تمليه معاهدات الاستقلال السياسي من شروط ترهن في الحقيقة أي مبادرة بتوجهات و تحكم المستعمر السابق. علما أن نفس المتحدث حرص على ضبط مصطلح التحديث في جانبه المفهومي معتبرا أنه عملية مرتبطة أساسا بالدعوة الى استعمال ما سماه “العقل التقني” في الفعل اليومي داخل المجتمع بما يتناغم مع ضرورة وجود بنية مجتمعية تتميز أصلا بمستوى من التقانة و العقلنة قادرة على تقبل معطى التحديث بشكل تلقائي بما يخدم الانتقال من ممارسات اقتصادية معاشية نحو منظومة اقتصاد السوق و الاستهلاك. الأمر الذي يظهر انه لا ينطبق بوضوح على المشهد التاريخي العربي حسب ما يمكن استنباطه من قراءة الباحث محمد جليد، الذي اعتبر أن طبيعة البنية العربية ان صح التعبير فرضت انتاج مفاهيم أخرى للاصلاح و التقدم مثل مفهوم التجديد والاجتهاد الذي ظل يمثل بالنسبة لكثيرين محاولة عصرنة للخطاب التراثي الاسلامي و جعله يتلائم مع معطيات الراهن، في حين يعتبره اخرون خطوة فعلية للانعتاق من قوة سلطة التقليد داخل المنظومة الفكرية العربية، بغض النظر عن رفض عدد من القوى الأخرى الحديث عن الاصلاح بهذا المنطق اللوثري الذي يصطدم مع عدم وجود شبيه للنظام الكنسي داخل الثقافة الاسلامية. ضمن هذا الاطار خلص نفس المتدخل الى أن الوعي العربي الحالي بضرورة اللحاق بالغرب المتقدم يظل رهين وجود نخبة مجتمعية قادرة على انتاج حركة فكرية تؤمن بامكانية سبر المعطيات المحلية، داخل واقعنا للتأصيل لتجربة اصلاحية حقيقية بعيدا عن الاستلهام المستمر للنموذج الغربي وفي نفس الان الاستئناس بتجارب متقدمة أخرى على الصعيد العالمي مثل الهند و بعض المناطق في افريقيا و أمريكا الاتينية. وفي مداخلة قصيرة له اعتبر الباحث والكاتب الدكتور مراد الزوين أن التيمة الرئيسية التي حركت معظم المواضيع داخل الكتاب موضوع الندوة هو مفهوم الاصلاح، الذي يظل حسب تعبيره مركزيا في الفكر العربي المعاصر ككل، في ارتباط بباقي النقاط التي حاول الزوين مناقشتها داخل منجزه الفكري خاصة على مستوى افاق و غايات الاصلاح المطروح داخل الخطاب العربي و الشروط الموضوعية المحققة له. و بالتالي فالقراءة التفكيكية لعدد من النصوص المؤسسة لمفهوم الاصلاح داخل منظومتنا العربية كان ضروريا حسب المتحدث نفسه للوقوف على مرجعيات هذا الخطاب و للوصول الى عمق وحقيقة الأسئلة التي يجب أن تطرح اليوم على مشهدنا العربي والمغاربي على حد سواء لتحديد المسارات الممكن رسمها لأي اصلاح ممكن سواء تعلق الامر بالشرط الديمقراطي أو الثورة الثقافية أو هما معا، في ارتباط عضوي و دائم بضرورة وجود نخبة مجتمعية تكون قادرة على دعم هذا التحول المنشود حسب الزوين. وقد حاول عدد من الحضور التفاعل مع ما جاء في مداخلات الأساتذة الباحثين ، عبر اثارة النقاش حول مفاهيم مستخلصة من القراءات المقدمة حول كتاب مراد الزوين مثل ما طرحه البعض من تساؤل حول ماهية الارتباط المستمر بالتجربة الحداثية الغربية داخل أي مشروع تحديثي ذاتي، أو ما طرحه اخرون حول حقيقة وجود مفهوم الوساطة في التجربة الدينية داخل الاسلام و مدى امكانية استثمار تراثنا العربي الاسلامي في هكذا مشاريع حداثية. وهي نقاط حاول معها ضيوف هذا الموعد الثقافي التفاعل معها، حيث أكد عز الدين العلام حسب قراءته الخاصة طبعا أن عدم بروز الوساطة بشكل مؤسساتي داخل المنظومة الدينية الاسلامية لا يعني عدم وجودها بدليل قوة حضور مكانة الرسول و العلماء والفقهاء كوسطاء مفسرين للخطاب ان صح التعبير، مشيرا الى أن نسق الاصلاح حسب المفهوم البروتستانتي يفرض الالتفات الى متن الذكر الحكيم ( الخطاب القراني) الذي يحتاج حسب وجهة نظره دائما الى قراءات جديدة من أجل استنباط معاني عدد من المفردات الغير واضحة في مفهومها حسب تعبيره. و في حديثه عن حضور التحديث والاصلاح داخل التجربة التاريخية للمغرب أكد العلام أن الصدمة الاستعمارية للبلاد، أكدت عمق التأخر الذي ظل يعيش في ظله المغاربة الى حدود القرن التاسع عشر ميلادي على الأقل من خلال تعاقب تجارب دول سلطانية بغير معنى سياسي واضح و انتشار ذهنية فكرية عامة محركها الفكر الديني الاهوتي، وسط بنية قبلية بالأساس لم تدع أي امكانية لبزوغ المبادرة الفردية الحرة حسب تحليل نفس المتكلم، الذي أكد أن التجربة التحديثية داخل بلادنا تدين بالفضل في جانب كبير منها للمستعمر الأجنبي في ظل غياب مبادرة ذاتية حقيقية الى الان للتحديث الذي يطبع سلوك عدد من الشعوب في العالم على حد قوله. و في اضافة له أكد الباحث محمد جليد أن هناك خلط على المستوى الدلالي لمفهوم الاصلاح داخل معظم المشاريع الفكرية العربية، بدليل أن هناك من يتحدث عن أي أنفاس اصلاحية و كأنها محاولات للتحديث داخل مشهدنا العربي و المغربي على الخصوص و واقع الحال على المستوى التاريخي حسب نفس المتحدث، يؤكد أن الخطاب الاصلاحي داخل بلداننا و الذي دعى له الاخر الغربي لم يكن يعني الا اصلاحا لبعض المؤسسات داخل الدول الحاكمة اساسا الجيش لاهداف امبريالية بعيدا عن أي نزعة اصلاحية تهم مجتمعاتنا و التي ظلت على الاقل في التجربة المغربية محكومة بمنظومة تقليدية قوية، لم تساهم في بروز الفاعل السياسي كمسؤول قابل للمحاسبة على سياسته داخل المجال. و بالتالي فحسب جليد المطلوب الان هو تجاوز محاولة احياء صور و تمثلات الماضي النموذج و الاشتغال على قضايانا الراهنة بمنظور اصلاحي يأخد بعين الاعتبار الشروط التاريخية المحلية لبلادنا و يستطيع في نفس الان استنبات مؤهلاتنا الذاتية من داخل مرجعيتنا الفكرية بعيدا عن محاولات تمثل و اسقاط الحداثة الغربية في واقعنا الخاص ذلك أن عوامل تاريخية خاصة باوروبا هي التي أنتجت تلك المنظومة الحداثية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

playstore
زر الذهاب إلى الأعلى