منوعات

تضامن زلزال الحوز اثبت المجهود التصاعدي للمغرب، و اقفل باب التشفي في وجه الخصوم.

لقد ابان زلزال الحوز عن وجود الرأسمال الوطني اللامادي الذي يمكن اعتماده كقدرة وكشجاعة سياسية وابطل كل الادعاءات المزيفة للواقع والمشككة في قدرة المواطنين المغاربة مجتمعين، رغم المفارقات و الرؤى الفاصلة بين الواقع المعاش و التصور المعتمد لشرعنة العمل السياسي والوصول الى مناصب المؤسسات العليا وولوج المجالس المنتخبة من جهة و المتوقع من النخب الحاكمة و الغاية من تحمل المسؤوليات الكبرى في الدولة، حيث يجب تغيير شكل ومضمون العمل السياسي والاداري اللذين يبعدان المواطن عن طموحاته وحقوقه المشتركة في اطار جماعة ترابية او عمومية.
وحتى التحرش الذي تتعرض له بلادنا من بين اسبابه اتساع هامش التناقض بين الواقع والتصور ، وبين الكائن الموجود المؤلم احيانا، والممكن او المنتظر النائم في عقول ومخيال المسؤولين الكاذبين، بالرغم من كون الجهات المسخرة للمساس بالمغرب هم أقل نموا من المغرب على عدة مستويات ولا يهمهم تنمية الشعب المغربي أكثر من ان يتمنوا ان يروا الفتنة والتخلف و ضعف القدرة.
فالمواطن يفتقر لقنوات مباشرة لايصال اصواته ومطالبه لصناع القرار بالمناطق النائية، و محاط بمساطر ادارية معقدة و بمسؤولين غير جديين في تعاطيهم و تعاملهم مع مطالبه سواء الشخصية او العمومية.
و زلزال الحوز فتح امام البلاد فرصة تغيير ملامح المغرب القروي و الانتقال من واقع مواطن مغمى عليه في بعض جوانب حياته الى واقع يقض يعيش فيه بالعقل المدرك لحاجياته وتحقيق الممكن منها حسب الظروف والبيئة المحيطة به على اختلاف المناطق المغربية والجهات وفق خصوصيته الثقافية والبيئية.
كما ان زلزال الحوز فتح باب المحاسبة من نوع جديد انطلاقا من كون المناطق المتضررة لم يكون متوقعا من قبل الحكومة والمسؤولين الترابيين والمحليين انها سوف تكون موضوع فضح و تشريح امام ملك البلاد، علما ان هذه المناطق هي وحدات ترابية مكونة من اقاليم وعمالة ودوائر وقيادات ومجالس جهوية ومجالس اقاليم و عمالات وجماعات حضرية وقروية، وتتوفر جميعها على ميزانيات تهم المجالات المختلفة، ولولا الزلزال لبقيت هذه المناطق منسية ومستغلة لاغراض سياسية بشكل دوري و هي تعاني ازمة التنمية وبعيدة عن الحاقها بالمستوى التنموي العام الذي يظهر به المغرب الرسمي.
ان التآمر الذي يتعرض له المغرب من طرف فرنسا الاصلية والجزائر باعتبارها فرنسا نسخة تابعة يجد في بعض الخونة و الفاسدين المحاصرين للاصلاح او الانفصاليين او الخونة مدخلا للتحرش بالمغرب و ممرا للتدخل في شؤون البلاد، وصل الى درجة الخروج عن المدلولات التي يحددها القاموس السياسي والمفاهيمي والقانوني، وفي المقابل يكتفي المغرب بالترافع نظرا لانضباط النظام الملكي للاعراف الدبلوماسية و للقانون الدولي والبروتوكولات الرسمية رافضا التعامل بالمثل رغم وجود فرص، نظرا لقناعات السلطات العليا بأهمية الحوار والثبات على المواقف و تفادي الاصطدام غير الضروري وغير المجدي، كالذي له عواقب وخيمة او يختلط فيه الربح والخسارة.
ان زلزال الحوز فتح أيضا اوراشا جديدة مهمة فرضتها سلطة الطبيعة، وعززتها الارادة الشعبية والدولية، ذلك انه منذ ان ضرب الزلزال منطقة الحوز ليلة الجمعة 8 شتنبر 2023 عقد جلالة الملك اجتماعا طارئا يوم 9 و عقد اجتماعا ثانيا يوم 14، و ترأس جلسة عمل جد مهمة يوم الاربعاء 20 من نفس الشهر خصصت لبرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز ، ووضع برنامج مندمج وطموح يتوخى تقديم جواب قوي منسجم، سريع و إرادي.
ان الميزانية التوقيعية المخصصة لتعبير آثار الزلزال المدمر تقدر ب 120 مليار درهم على مدى خمس سنوات، وتستهدف كثافة سكانية تقدر بحوالي 4 ملايين و 200 الف نسمة.
هذا ويعتمد البرنامج الذي تم إعداده حسب مقاربة التقائية، على تشخيص محدد للحاجيات وتحليل للمؤهلات الترابية والفاعلين المحليين، ويهدف إلى إعادة بناء المساكن وتأهيل البنيات التحتية المتضررة، طبقا للتدابير الاستعجالية المقررة خلال اجتماع 14 شتنبر، ومن جهة أخرى، تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المستهدفة، وذلك وفق أربعة محاور أساسية :
1 – إعادة إيواء السكان المتضررين، إعادة بناء المساكن للذين سقطت او تضررت مساكنهم وإعادة تأهيل البنيات التحتية.
2- فك العزلة وفتح الطرق وتأهيل المجالات الترابية،
3- تسريع امتصاص العجز الاجتماعي، ومعالجة الهشاشة، خاصة في المناطق الجبلية المتأثرة بالزلزال.
4- تشجيع الأنشطة الاقتصادية والشغل، و تشجيع المبادرات المحلية.
بالاضافة اعطاء أمر ملكي يقضي بإحداث منصة كبرى للمخزون والاحتياطات الأولية على مستوى كل جهة، قصد التصدي بشكل فوري للكوارث الطبيعية.
هذا و اقترن البرنامج بدعوة الحكومة
إلى تنزيل الرؤية التي تم تقديمها على مستوى كل من الأقاليم والعمالة المتضررة. وا هم توصية صادرة عنجلالة الملك هي الإنصات الدائم للساكنة المحلية، و تقديم الحلول الملائمة لها، مع إيلاء الأهمية الضرورية للبعد البيئي والحرص على احترام التراث المتفرد وتقاليد وأنماط عيش كل منطقة.
ويبقى امتحان الانضباط لحكامة نموذجية مقوماتها السرعة والفعالية والدقة والنتائج المقنعة، حتى يصبح برنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة نموذجا للتنمية الترابية المندمجة والمتوازنة هو المؤشر على النجاح او الفشل من منظور ملكي صرف. خصوصا وان تمويل البرنامج يوفر الاعتمادات المرصودة من الميزانية العامة للدولة، ومساهمات الجماعات الترابية والحساب الخاص للتضامن المخصص لتدبير الآثار المترتبة على الزلزال، بالاضافة الى الدعم والتعاون الدولي.
ومن المنتظر ان تكون للزلزال تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية تنبثق عن الانتقادات الموجهة لعديمي الضمير ولفاقدي روح المسؤولية، ولجميع الديمقراطين بلا ديمقراطية. و مستغلي الزلزال للتشفي، حيث لقن المغرب كل العالم درسا عنوانه، تلاحم الملك والشعب المغربي في فترة الكوارث. وابان عن وجود قدرة كبيرة على صنع الملاحم و التحول والتطور في جميع الاتجاهات شريطة ان تبقى المقاربة التي تم الاشتغال بها في زلزال الحوز كمخطط وطني يشرف عليه جلالة الملك شخصيا ويشارك فيه الشعب بجميع فئاته واطيافه ويقطع الطريق امام الفاسدين والخونة رفقاء الاعداء.
انطلاقا من مقولة رب ذرة نافعة، فان الازمات تخلق الفرص و تقوي المناعة الوطنية وتجدد مشاعر التضامن وتعزز الانتماء الوطني وتوحد الأمة على اختلاف مشاربها الثقافية والدينية والسياسية.
الدكتور احمد درداري
رئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات بمرتيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى