أزمة الساحل والصحراء والخيارات الممكنة

 

تنظر الولايات المتحدة الاميركية الى الازمة على اساس صراع المصالح و المذاهب السياسية، ومحاكاة الوضع الامني والنظر الى الخيارات المطروحة لحل ازمة النيجر التي جوهرها امتحان النفوذ الفرنسي و تأثير ذيلها الجزائري، ذلك ان الحوار السياسي والعلاقات الاقتصادية، تضع العلاقات الجزائرية الأمريكية على المحك، خصوصا قياس التقدم في المصالح المشتركة بين البلدين على امتداد منطقة الساحل، ومنها ملف الإرهاب وقضية الأمن والسلام في منطقة غرب افريقيا، مما يعني ان الولايات المتحدة الاميركية أدخلت الجزائر لامتحان الاختيار، وقياس درجة حرارة المؤسسة العسكرية الجزائرية ومدى جاهزيتها لحماية الحدود على امتداد حوالي 2000 كيلومتر.
و تعيش مجموعة الإيكواس، حالة من التردد بسبب التدخل العسكري، وصل إلى حد الانقسام بسبب الضغوط الفرنسية التي تريد القيام بتدخل عسكري يعيد الرئيس المخلوع إلى الحكم بالنيجر.
هذه التطورات عمقت العزلة الدولية للجزائر بعد فشلها السياسي والاقتصادي والديبلوماسي المتوالي، ذلك أنها بعدما فشلت في تطويع فرنسا ومراجعة الارث الاستعماري الثقيل، و في اقناع إسبانيا باستعمال ورقة أنبوب الغاز، خاصة بعد إعتراف الاخيرة بمقترح الحكم الذاتي، كما فشلت في الدفاع عن دخولها في مجموعة البريكس، وهو ما يعني ضعف وهشاشة علاقتها مع روسيا التي تتصارع مع فرنسا في افريقيا، ينضاف الى هذا فشلها الذريع عربيا في الكثير من المحطات آخرها المطالبة بإرجاع سوريا للجامعة العربية، وأيضا فشلها في توحيد الفصائل الفلسطينية المتناحرة.
ويبقى سيناريو اشتعال الحرب على الحدود الجنوبية للجزائر ممكنا ، وما لذلك من تهديد أمني خطير على حدودها، وامكانية توسيع الأنشطة الإرهابية، وهو ما قد تتخذه واشنطن وحلفائها دريعة للتدخل العسكري المباشر بالمنطقة بدافع محاربة الإرهاب، وهو ما سيزيد من الإحراج للجزائر التي تحاول اقناع روسيا للعمل على توسيع أطماعها بهذه المنطقة الإفريقية.
كما أن امتداد حدود النيجر مع الجزائرية على طول ألف كيلومتر، سيقحم الحزائر عند حدوث أي تدخل عسكري خارجي، اضافة الى تنامي الخطر الأمني والإرهابي قد يحصل نزوح جماعي متوقع للفارين من الحرب، سيكون مكلفا للجزائر علاوة على تضرر المصالح الاقتصادية والاتفاقيات التجارية التي تربطها بدول الساحل والصحراء، وخاصة دولتي النيجر ومالي اضافة الى انبوب الغاز القادم من نيجيريا نحو الجزائر، حيث أصبح موقوفا في ظل الاوضاع الامنية الحالية.
فالجزائر غير منسجمة مع دول المنطقة المغاربية و مع منطقة الساحل والصحراء، سجلت تراجعا ملفتا، فلا هي جيدة العلاقة مع فرنسا، ولا مع دول الاتحاد المغاربي، ولا هي مساندة من طرف موسكو بسبب فرنسا نفسها التي تقف بجانب اوكرانيا وايضا بسبب غموض موقفها من حرب امريكا الاستراتيجية ضد روسيا على الساحة الإفريقية ورفضها التعامل بالدولار الاميركي، كما ان اي موقف للولايات المتحدة الأمريكية سوف يجر أوروبا معه.
وتبدو الجزائر في خضم التوتر في مالي والانقلاب في النيجر باتت مهددة في أمنها واستقرارها الداخلي بفعل مطالب حركة الطوارق، وتعقيد وضعية حركة الازواد، مما يبقى معه دور المغرب هو طوق النجاة الوحيد رغم ان للجزائر لوحت باستمرار بجره للحرب ونهج اسلوب التصعيد معه. علما أن جلالة الملك محمد السادس دعا عدة مرات الى استئناف العلاقات الديبلوماسية، وإعادة فتح الحدود إلى سابق عهدها، وهي دعوة سلام واخوة مختلفة عن مواقف الجزائر الصدامية، سيما وأنها جاءت في سياق زمني تضيق فيه خيارات الجزائر وتشتيت تفكيرها العسكري بعدما اصبح التهديد الأمني والعسكري قريب من حدودها الجغرافية الواسعة الامتداد.
فالعلاقات الدولية اربكت حسابات النظام الجزائري سواء في علاقته بروسيا أو بفرنسا. واذا تم ترجيح الخيار العسكري لحل الأزمة النيجرية سوف يكون له آثار قد يغير من طبيعة الحلفاء، و سيدفع الى مراجعة المواقف تجاه المنطقة وخصوصا مع المغرب.

Exit mobile version