أخبار متنوعة

الأستاذ يوسف أولمير يكتب دفاعا عن الكرامة؛ لا دفاعا عن القائد

تنغير: الكرامة ليست موسمية… والحملات المُوجَّهة ليست بريئة

وسط الضجيج المتعالي، تحوّل شريط مصور قصير إلى محرّك لهجمة إعلامية شرسة، استُهدف من خلالها قائد قيادة تغزوت نأيت عطى، لأنه وصف مواطناً بـ”الحمار” في خضم شجار تبادل فيه الطرفان الشتائم.

لسنا هنا بصدد تبرير اللفظ، فالكرامة الإنسانية لا تُمسّ مهما كانت الظروف، غير أن تحويل زلة لسان – في سياق متوتر – إلى قضية رأي عام، وتقديمها كرمز لكل أشكال القمع والسلطوية، أمر يثير أكثر من سؤال.فالواقعة – كما تناقلها شهود عيان – انطلقت من مشادات أثناء تنظيم قافلة طبية أوكلت للسلطة المحلية.

في ظل الاكتظاظ وسوء الفهم، حاول مواطن الدخول دون احترام ترتيب الأسبقيات، ما أدى إلى فوضى، وتلاسن، وتطور الأمر إلى شجار، فيه تجاوز من الطرفين.

لكن الشرارة الكبرى لم تأتِ من المواطن ولا من القائد، بل من شابة قدّمت نفسها كـ”صحفية”، حاولت الدخول إلى فضاء مخصص للفريق الطبي دون إذن، وتم منعها حسب ما صرحت به في تسجيل مباشر.

وهنا يتغير كل شيء: من نزاع محلي بسيط، إلى حملة مقصودة، شُحنت بالتحريض، واجتثّت من سياقها الحقيقي.فمنذ لحظة بث الشريط المصور، تحوّل القائد إلى “جلاد” وجب التضحية به، وتحولت الواقعة إلى ساحة للتنفيس الجماعي عن مشاعر القهر والغضب، كأننا نبحث عن عدو بأي ثمن، حتى لو كان موظفاً تصرف بغضب في لحظة توتر، أمام جمهور متعطش لـ”الفضيحة” أكثر من الحقيقة.

من منا طالب بتقديم بنكيران أمام العدالة حين وصف الشعب المغربي بالحمير والميكروبات في مهرجان خطابي؟ أم أن بنكيران له عائلة كبيرة لن تسلّمنا أخاها؟لنتحدث بصراحة: هل كانت الكرامة ستهمّ “الصحفية” لو سُمِح لها بالدخول؟هل فعلاً كان هدفها التوثيق والدفاع عن المواطن؟ أم أن تصفية الحسابات الشخصية كانت أقرب إلى النية؟ هل كانت الكرامة هي جوهر الرسالة، أم وسيلة للانتقام الرمزي؟ الأخطر في هذه الحملة ليس انفعال قائد – يُحاسب عليه دون شك – بل في تحويله إلى شماعة نعلّق عليها إخفاقاتنا الجماعية.

فالدولة التي تفرح بتقديمه ككبش فداء، تعرف جيداً أن المنظومة أعمق من فرد، وأن الكرامة لا تُسترجع بإسقاط موظف بل بإصلاح المؤسسات.

فليُحاسب القائد إن لزم الأمر، لكننا نرفض أن نُستغفل. نرفض أن تُختزل الكرامة في لفظ لحظي، بينما تُهان يومياً في الإدارات، في المستشفيات، في وسائل النقل، وفي التعامل اليومي مع جهاز بيروقراطي متضخم.

الكرامة الحقيقية ليست موسمية، ولا تُستثار حسب الشخص المستهدَف. الكرامة هي معركة بنيوية، لا تُخاض بالكاميرات الخفية، بل بالوعي، بالمساءلة الحقيقية، وبالقدرة على التمييز بين خطأ فردي، وجريمة ممنهجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى