أخبار العالم

معادلة الصراع العالمي : هيمنة هوية واحدة ام تعدد الهويات؟

موضوع الحروب البشرية الأساسي يدور حول من يحكم العالم واليوم دخل امتحان امتلاك القوة الأخيرة لبسط الهيمنة وتحديد الحاكم الأخير، لكن المعادلة معقدة لكونها تشترط الاستفادة من التجارب التي مرت عبر التاريخ، ذلك ان تطور الحياة البشرية بمختلف مراحلها زاخر بالعبر المواعظ، وعلى الأرجح يجب محاكاة كل مرحلة و وضعها على المحك واعتبار مخرجات الصراع الفزيائي بين الفساد و الاصلاح والعدل والظلم و الحرية والاستعمار و الانسانية والعبودية والكرامة والاهانة. فقد تبدو مظاهر تسويق المنتوج الحداثي ومعه تطوير عمليات الانتاج والتغيير في الدول الغربية بديلا واقعيا مقنعا يتجاوز ذاكرة التاريخ والإرث البشري الثقيل، فالتاريخ يقول ان كل شعوب الارض ساهمت في بناء الانسان و إنتاجه الحضاري، وان كانت مساهمات كثيرة كانت سلبية، وان السماء تدخلت عبر عدة ازمنة لتحديد ما ينفع الناس وفرضت مكوثه بينما ما يضرهم فحكمت عليه بالزوال.ومن أهداف صراع القوة تكريس الهيمنة والبحث عن الثروات لتطوير القوة بشكل مستمر، وفي المقابل نجد نماذج لحضارات حققت التعايش والإبداع، واليوم ينظر مؤيدوها إلى وجوب تحرير العلاقات الدولية من قيود المركزية الغربية التي كرست الهيمنة واللامساواة وتحاول انهاء دورة الانتاج العالمية لفائدتها. وإنهاء أو حسم الصراع الذي ليس من وراءه سوى الوصول إلى منابع القوة الذكية التي اعادت تحديد مفهوم الثروات. وتعتبر حضارات الإسلام من أعظم المقاربات للاهتمام بالإنسان كالتجربة الأندلسية والمتوسطية، حيث ساهمت في بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب يعترف بتنوع الثقافات ويؤسس لعلاقات قائمة على الاحترام المتبادل والشراكة الحقيقية، بعيدًا عن منطق الاستعلاء والهيمنة.بينما الشمال المهيمن اليوم لا يولي اي اعتبار لوجود حضارات في الجنوب، وهو ما يتطلب اعادة التوازن للعلاقات الدولية وانهاء قيود الادارة المركزية العالمية التي كرست الهيمنة والقوة وفرضت اللامساواة القانونية بين الشعوب والدول، وأشعلت الحروب للحفاظ على الفوضى والتحكم في عملية استنزاف مشاريع و محاولات الانطلاق خارج إرادة القوة المركزية. ان الحروب المعاصرة محطة تتطلب التوقف والتأمل وإعادة قراءة تاريخ الحروب و ترصيد مساهمات الحضارات، والتفكير في بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب يعترف بتنوع الثقافات ويؤسس لعلاقات قائمة على الاحترام المتبادل والشراكة الحقيقية، بعيدًا عن منطق الاستعلاء والهيمنة، والاستهداف المستمر لكرامة الشعوب، حيث ان الأخطار المادية والمعنوية التي تحيط بتفكير الشعوب ترفض النظر إلى المستقبل السيئ.ان نماذج القوة عبر التاريخ والتي تكرست ضدا في القيم الإنسانية سواء باستعلاء عرقي او فكري او شجع اقتصادي او تسويق جغرافي او لامادي … لم تتمكن من الصمود امام الهويات ذات الامتداد الانساني، ولم تتمكن من إقناع الخصوم وهي تستهدفهم، فالإنسان العربي و الأسود والهندي و الأمريكي اللاتيني و الآسيوي … ليسوا اقل قيمة من بقية الأجناس، بل حتى الذين يعتبرون أنفسهم من أصول اجتماعية مرتبطة بالسماء فقد حرفوا الأوامر لأن أنبياءهم جاؤوا بتعليمات من السماء من أجل تحسين اوضاع وهداية اهل الارض لكنهم رفضوا العمل بها. فلا الذين انفصلوا عن السماء نجحوا في توجهاتهم، و لا الذين صنعوا سماءهم الخاصة بهم افلحوا. و يعود بذلك امتحان القوة بالفشل المحتوم على الذين يبحثون عنها بدون مبادئ او الذين يصنعون حاكمهم و يدعون أنهم الأقوياء بناء على مدخراتهم و معدلات نموهم ودرجة تصنيعهم. فلن يسيطر على العالم محارب ما دام موضوع الحرب يستهدف الكرامة و الحرية وفصل شعوب الارض عن هويتها.ان مقربات التعاون بديلة عن الصراع ومجالات التعاون الدولي متعددة لحل المشاكل التي تواجه شعوب العالم بعيد عن صراع الحضارات والهويات، فالجدل يؤمن بتعايش صراع الأضداد في حدود لا تصل إلى الاصطدام والانتقال يتوقف على الاعتراف بوجود جدل يؤمن بوجود المجادل بخصوصية هويته .

الدكتور احمد درداري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى