لقاء علمي بالبيضاء و نقاش حول الشعبوية ببلادنا بين التوظيف السياسي و رصد ممكنات التجاوز

playstore

قلم سمير السباعي
تشكل الشعبوية إحدى الظواهر التي أفرزت ولاتزال نقاشا بين صفوف الباحثين و الأكاديميين خاصة منهم المختصين في تحليل الخطاب السياسي ليس فقط على المستوى الوطني و إنما أيضا داخل الفضاء الكوني ككل. وهو ما حذا ب بعض الدراسات المنجزة حاليا أن تنصب على رصد تاريخية تشكل هذه الظاهرة و ما مدى تأثيرها في أنساق الخطاب و التواصل المعروفة تقليديا ليس فقط داخل حقل السياسة وإنما داخل مجالات أخرى لها ارتباط وثيق بحركة المجتمعات.

ضمن هذا السياق عقد مركز محمد الحسن الوزاني بالدار البيضاء يومه الخميس 11 يوليوز2024 على الساعة الخامسة مساء لقاء علميا خصص لتقديم وقراءة كتاب الدكتور والباحث في الشؤون السياسية بالمغرب محمد شقير “زعماء الشعبوية بالمغرب –بين الآلية الانتخابية و الفرجة السياسية” حيث شارك في تأطير النقاش الفكري الذي عرفه هذا اللقاء إلى جانب مؤلف الكتاب كل من المؤرخ محمد معروف الدفالي و عبد العزيز قراقي أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية بالسويسي بالرباط.

ينبغي الإشارة في البداية إلى أن هذا الأخير وكمنسق لأشغال هذا اللقاء الفكري أكد على أن تنظيم هذا الحدث الثقافي يندرج في إطار الجهود التي يبذلها مركز محمد حسن الوزاني كمؤسسة بحثية تسعى إلى جعل المعرفة العلمية تنخرط في مناقشة قضايا المجتمع خاصة أن كتاب شقير و باختياره لموضوع الشعبوية في المغرب يبدو كمحاولة علمية تذهب في نفس الاتجاه العام المؤطر لأشغال المركز المذكور حسب ما يستشف من كلمة قراري.

و يبدو أن مداخلات الأساتذة المحاضرين خلال هذه الندوة القرائية قد شكلت عنوانا مدخليا اختار من خلاله كل متحدث أن يقارب كتاب محمد شقير من مدخل قرائي معين. وهكذا نجد أن محمد معروف الدفالي قد اختار المقاربة التاريخية و الابستمولوجية لمحاورة مضامين ومفاهيم الكتاب، حيث اعتبر في هذا الإطار أن قيمة هذا الأخير تكمن في أنه يتناغم مع ما هو مطروح حاليا على المستوى العالمي من نقاش حول مفهوم الشعبوية و ما تنتجه من ممارسات خاصة داخل الحقل السياسي، بما في ذلك المشهد الحزبي داخل بلادنا خاصة أن المنعطف السياسي والانتخابي لسنة 2011 سينتج عنه صعود المد الشعبوي بقوة داخل الممارسة السياسية بالمغرب من طرف عدد من القيادات الحزبية و هو ما سيشكل المادة الخام التي عمل شقير على رصدها وتحليلها من زوايا متعددة داخل كتابه موضوع هذا اللقاء العلمي.

و حري بالذكر أن أنفاس الحديث داخل هذه المساحة القرائية قد ذهبت في اتجاه محاولة رصد تاريخية ظهور مصطلح الشعبوية مسجلة في ذلك أنه من الصعب الإمساك بالجذور الأولى لهذا الظهور خصوصا أن هناك من يعتبر أن وجود الشعبوية هو مرتبط بشكل عضوي مع وجود الفعل السياسي للإنسان في مقابل من يعتبرها حديثة الظهور في القرن 19م كنتاج للخضم السياسي التي عرفته حينها روسيا القيصرية، لكن فالملاحظ أن بروز الشعبوية على المستوى الدولي سيتأكد مع نهاية الحرب العالمية الثانية و زوال مشروع الإجماع السياسي عند الغرب بالتزامن مع تصاعد المد الديكتاتوري هنا وهناك في أنحاء من العالم كسياق منشط للخطاب الشعبوي بامتياز حسب أحاديث نفس المدخل القرائي. كما أن محاولة التأصيل المفاهيمي لمصطلح الشعبوية قد حضرت هي الأخرى داخل مداخلة الدفالي كفهوم مقابل لمصطلح الشعبية أو الشعبي الذي يحيل مباشرة على قدرة في التواصل السياسي مع الشعب بخطاب بسيط نبيل في عمقه و منم عن اتصال عضوي إن صح التعبير للفاعل السياسي مع انتظارات الفآت الشعبية و رغبتها في التأطير وتعلم الكفايات الأساسية للدفاع سياسيا عن مصالحها الجمعية.

كتجربة الحركة الوطنية في المغرب التي حاولت إنتاج خطاب شعبي يتقاطع مع الرغبة في تأطير الشعب المغربي للعمل من أجل استقلال البلاد مرورا بالتجربة الحزبية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية التي ظهرت كمشروع حزبي شعبي راهن في بداية تأسيسه بعيد الاستقلال من خلال خطابه السياسي على الانتصار لتطلعات و انتظارات الفآت الشعبية بالأساس على عكس بعض المشاريع الحزبية التي ظهرت إبان نفس الفترة كالحركة الشعبية التي رفعت قيادتها آنذاك شعار الدفاع عن حقوق الشعب في المغرب المستقل لكن في واقع الأمر بخطاب شعبوي راهن أكثر على مخاطبة الإثنيات الأمازيغية والبدوية بما لا ينسجم وروح الخطاب الشعبي المدافع عن مصالح كل الشعب وهو التطور التاريخي الذي عمل محمد شقير على استعراض معالمه الكبرى في كتابه حسب حديث الدفالي. الذي اعتبر أن هذا الأفق الشعبي في الخطاب السياسي إن صح التعبير غير متحقق في ما يفرزه مصطلح الشعبوية كممارسة سياسوية يسعى أصحابها إلى توظيف الانتهازية و خطاب الخرافة والعواطف بعيدا عن أي منطق تواصل عقلي أو قيمي . وفي سياق قراءته التحليلية لكتاب شقير اعتبر نفس المتحدث أن الأزمة التي يمكن أن تمر بها الممارسة الديموقراطية داخل الدولة و مؤسساتها المنتخبة بما يشمل ذلك تهافت الفاعلين السياسيين على المقاعد البرلمانية و الحقائب الوزارية لخدمة أغراض شخصية لا علاقة لها بالمصلحة العامة هو ما ينتج السياق الذي تنبث في الشعبوية كخطاب بديل يصبح قادرا آنذاك على تعبئة الشارع الانتخابي و تحويل حالة التذمر و العزوف السياسي للمواطنين إلى وقود لتشكيل كتلة انتخابية حقيقية بشكل يضرب في العمق روح العمل الديموقراطي المنشود.

و حسب نفس المتدخل دائما فكتاب شقير هو محاولة بحثية جادة حاولت أن تمسك أساسا بسياق ودلالات و آثار بروز الخطاب الشعبوي في المشهد الحزبي المغربي خاصة بعد 2011 حيث حصل تحول في طبيعة الخطاب و الممارسة الحزبية حتى داخل أحزاب ظلت معروفة لعقود من الزمن السياسي بالمغرب بإرثها الوطني و بإنتاجها الشبه دائم لأطر و قيادات ذات خلفية فكرية و إشعاع ثقافي قبل أن يمسك بها قادة شكلوا مثالا للشعبويين الجدد إلى جانب أسماء أخرى محسوبة على الأحزاب الإدارية الجديدة و على رأسهم عبد الإله بنكيران الذي احتل مساحة مهمة داخل كتاب شقير كحالة شعبوية ظهرت بقوة أكثر داخل المشهد السياسي خلال الفترة المدروسة في سياق عام تميز بخارطة حزبية كثيفة العدد و غير منسجمة في خطابها الإيديولوجي و السياسي حسب ما يستشف من أقوال الدفالي. و هو ما سيسمح حسب هذا الأخير بإنتاج إطار محفز ساعد على صعود عدد من القيادات الحزبية الجديدة إلى منصة المشهد السياسي مدعومة في ذلك بتراجع مركز الدولة في بلادنا عن التدخل بشكل مباشر نسبيا في اختيار أمناء و كتاب الأحزاب المغربية بعد أن سمح لها بهوامش من الحرية الداخلية في تدبير ذلك.

و قد اعتبر محمد شقير في مداخلة له بالمناسبة أن الزخم الشعبوي الذي ميز المشهد السياسي في المغرب منذ 2011 قد أنعشته عوامل رئيسية أولها، أن الخطاب الشعبوي الراهن وجد في الأسلوب التواصلي لمركز الدولة في العهد الجديد الراغب في انتهاج أساليب معينة من التواصل الإعلامي دون ما الحاجة إلى تكثيف ذلك بشكل تواصلي مباشر و دائم إطارا مساعدا ساعد في صعود نجم عدد من الشعبويين داحل الساحة السياسية بالمغرب على عكس ما لم يكن يسمح به الأسلوب التواصلي للدولة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان له حضور مكثف داخل وسائل الإعلام والصحافة خاصة منها المرئية بشكل بدى أنه كان يحد نوعا ما من خطابية شعبويي تلك الفترة أمثال المحجوبي أحرضان و أرسلان الجديدي داخل المشهد السياسي حسب أقوال شقير، الذي اعتبر في نفس الآن أن حراك 20 فبراير شكل عاملا آخر ساعد على صعود زخم الخطاب الشعبوي بعد أن اختارت الجماهير الشعبية الخروج إلى الشارع لمخاطبة الدولة و إيصال مطالبها السياسية بشكل مباشر بعيدا عن الوساطة التقليدية للهيئات الحزبية المفروض فيها إنتاج نقاش عمومي لقضايا المجتمع بأدوات خطاب سياسي مهذب يرفع من مستوى الوعي الجمعي للمواطنين، حيث سيفسح هذا السياق المجال لرهان الدولة نفسها على عدد من رموز الخطاب الشعبوي كبديل جديد يمكن الاعتماد عليه للتحكم في مطالب الشارع الجديدة و تأطيرها بما يخدم ضمان الاستقرار العام حسب أقوال شقير. و ليظهر بذلك عبد الاله بن كيران كشخصية سياسية ذات قدرات تواصلية قوية مكنتها من البروز كأحد أهم أقطاب هذا المد الشعبوي الجديد بل و أحد أبرز المساهمين في تقويته داخل الممارسة السياسية ببلادنا مستفيدا في ذلك من انفتاح قنوات الإعلام والتواصل الاجتماعي الواسع على هكذا نوع من الخطاب حسب مداخلة نفس المتحدث.

لا ننسى أن هذا اللقاء عرف في نهاياته مداخلات لعدد من الباحثين في التاريخ و التواصل السياسي و بعض الإعلاميين والتربويين، حيث حاول هؤلاء التفاعل مع ما طرحته هذه الندوة القرائية لكتاب محمد شقير مثل سؤال البعض عن ماهية الإجراءات الكفيلة بالحد عمليا من الخطاب الشعبوي داخل بلادنا، خصوصا أن البعض الآخر اعتبره حاضرا ليس فقط في المجال السياسي و إنما أيضا في مجالات أخرى كالرياضة. في حين فضلت مداخلة أخرى الحديث عن ممكنات توظيف كتاب محمد شقير لإنتاج دفاتر تربوية تكون بمثابة دليل بيداغوجي يمكن استثماره معرفيا لصالح تلاميذ و طلاب المدرسة العمومية قصد تمكينهم من فهم مصطلح الشعبوية و الوعي بخطورة خطابها على الديموقراطية. وقد حاول الأساتذة المحاضرون التفاعل بشكل عام مع بعض تلك التفاعلات للجمهور حيث أكد الدفالي أن رهان كسب التصدي لظاهرة الشعبوية يظل مرتبطا بتكوين الأطر المؤهلة بالشكل الصحيح للاضطلاع بهكذا مسؤوليات إن صح التعبيربعد أن اعتبر في السابق أن كتاب شقير يدخل في هذا المجهود المبذول طالما أنه كتاب للتوعية بالظاهرة المدروسة، في حين شدد صاحب هذا الأخير على ضرورة تفعيل المقاربة القانونية من أجل الوقوف ضد انتشار بعض مظاهر الخطاب الشعبوي خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي لما لها نظرا لتطاولها في بعض الحالات على مؤسسات دستورية بشكل ينافي جوهر الفعل السياسي المرغوب فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

playstore
زر الذهاب إلى الأعلى