إمارة المؤمنين بين الشرعية الدينية والتطاول السياسي على أمن الدولة

playstore

معلوم انه من خصوصيات الأمة المغربية تميزها بمؤسسة أمير المؤمنين الذي يختص بإلقاء خطب متعلقة بإصلاح الحقل الديني واحداث آليات تاهيله كالالية التأطيرية، كبرنامج تأهيل أئمة المساجد الذين يخضعون لخطة ميثاق العلماء، والآلية المؤسساتية الدينية كالمجلس العلمي الأعلى، و معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، ومعهد محمد السادس للعلماء الافارقة …
ومعلوم ان الموضوع الاول و الاساسي في الاهتمام الديني هو الاسرة.
و انطلاقا من مكانة الملك الدستورية، والممتدة والممأسسة لصفته الدينية، التي قامت على اجماع العلماء حول اخراج البلاد من تشتيت الرؤى الدينية و ابعاد البلاد من الاحتكاك الديني المذهبي الخارجي و التفرد بالمذهب المالكي ذي الخصوصية الاعتدالية. حيث تأسس نظام الحكم ، على حمولات دينية، أسهمت، إلى جانب القدرات موضوعية وذاتية، في توسعها جغرافيا، وارست نموذجا ثقافيا، اتخذت من البعد الروحي طرقا و زوايا مدارس روحية للتعايش .
و قد تكرست عبر قرون المكانة الدينية للسلطان التي اصبحت مع الانتقال الى مفهوم الدولة مؤسسة دستورية اسندت إلى الملك مهمة ادارة حقل إمارة المؤمنين اسندت اليه مهمة تولي الصلاحيات الدستورية، للشأن الديني المتميزة، وفرضت عليه التعاطي مع المتغيرات الدينية الناشئة هنا وهناك، كما حملته مسؤولية حماية حقوق الاسرة و الشعب الدينية من اي تطاول او تعارض او تآمر.
وانطلاقا من سياق دور مؤسسة إمارة المؤمنين سواء كقاعدة دستورية عرفية أو مكتوبة، وانطلاقا من كونها نتاج إرث تاريخي ورمزي، فقد احتلت مكانة مركزية في الحياة السياسية الدينية، ولكون الحقوق والواجبات الدينية سابقة على مثيلاتها السياسة، و ان الفصل 41 من الدستور كأول فصل في الباب الثالث الخاص بامارة المؤمنين سابق على الفصل 42 الخاص برئاسة الدولة ، فان اي تعارض بين متطلبات تغيير المجتمع تخضع للمهام والصلاحيات والاختصاصات والسلط الدينية للملك قبل غيرها، حيث ان قاعدة الديني يعقل السياسي بادية من ترتيب فصول الدستور، بحيث ان أول فصل يبدأ به الباب المتعلق بالملكية، يؤطر العمل الديني و السياسة الدينية الملك باعتباره معهدا لاصدار الفتوى الدينية. ويعمل بالظهائر الملكية كآلية لتنظيم الشأن الديني والرمزي ولا يمكن الطعن فيها أمام القضاء.
وصفة أمير المؤمنين الرمزية لها أسسها الشرعية والدستورية والسياسية، ومن ثمة لها اجتهادها الديني، الذي يستند إلى النسب الشريف، والبيعة من ناحية، وينهل من الموروث السني خصوصا العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف الحنيدي، من ناحية أخرى.
و بالعودة لمرجعية المفهوم والمؤسسة، نجدها تعود إلى عصر الحكم الفردي والمطلق للرعية خلافة عن الله واستخلافا باسمه لرعاية شؤون الأمة. لكن مع بروز مفهوم الشعب كنصر من عناصر الدولة وحقه المطلق في أن يكون مصدر السيادة والحكم، وتملكه لسلطة الاقرار والمصادقة والتأسيس للدستور ، بما لا تتوفر عليه اللجنة الملكية الاستشارية التي صاغت دستور 2011. اضافة الى كون عولمة حقوق الانسان ومنطقها التحديثي وقوانينها التي تؤطر حياة الشعب بطريقة مستقلة وديمقراطية، مما خلق الازدواجية والخلط والارتباك في القناعات ووسع من مفهوم الحرية الفردية وادى ذلك الى اصطدامها بالدين و منه اصطدام الدين بالدولة، لكن بشكل أكثر حدة من مرحلة الاستعمار التقليدي للمغرب.
و النقاش العلماني و الديني حول “إمارة المؤمنين” يعرف تطاولا خارجيا و داخليا.
والهدف هو تبخيس الدور الديني لرئيس الدولة، كما حدث في اوربا عند مهاجمة دور القيصر والبابا الكنسي، فلم يعد لهذا الاخير دخل في شؤون الدولة وتم فصل السلطتين الدينية عن الدنيوية، بحدود “ما لله لله وما لقيصر لقيصر”.
والنقاش الدائر حول مدونة الاسرة يطرح مفهوم الاسرة ، ويبدو باديا التحريض الخارجي و ضرب في الاطار الديني للأسرة وتوخي هدم اساس الاسرة والمجتمع المغربيين .
ان الانتقال نحو الديمقراطية، لا يتعارض مع ابقاء العلاقة بين الدين وإدارة الدولة قائمة، وحتى نعت الدين الاسلامي بالقدامة امر خاطئ، فالدين الاسلامي متجدد ومواكب لمتطلبات التطور المجدي نفعا للعباد ويسمو بوظيفته في إدارة الدولة، و حثها على حماية وخدمة الفرد والاسرة والمجتمع.
و مفاهيم الحرية والحداثة والتقدم هي التي ولدت متخلفة و منحرفة مقاصديا، وركزت فقط على جانبها المادي و ترويج صورها الخارجية بينما جوهرها يظل سخيفا و غير مقنع منطقيا ودينيا.
ان الاجتهادات الدينية والتعبير في القضايا المؤطرة بنصوص قرآنية، تشكل خطرا على امارة المؤمنين نفسها، لأنها تتوخى ازالة موضوع الاسرة القائمة على الدين كاختصاص يقوي قيمة الملك الدينية، و الوظيفة القانونية لمؤسسة إمارة المؤمنين.
ذلك ان الخطاب الليبرالي المعاصر بعد الأزمات التي تعاني منها الأنظمة الرأسمالية اصبح يركز أكثر على البعد المادي للحياة كمقياس للارتباط والانفصال مما يهدد بنية الاسرة غير المادية. وخطاب الإصلاح والتنمية والتقويم وحقوق الإنسان… يبقى خطابا ملغوما يمكن ان يكرس التخلف والاستبداد و الاستعمار الجديد، والمغرب لا يكون قويا الا باسناد صلاحيات للملك مستقلة و قوية تضمن الوحدة والامن والسيادة وتغلق باب الفتن، دون الاعتداء على الحرية أو الديمقراطية التي لا تتعارض مع الدين.
فالدين يبقى فطرة أصلية، لجميع المجتمعات، وإخضاعه للتوظيف الأيديولوجي هو الخطر الحقيقي، حيث يتم توظيف الأيديولوجيا لتحريف وإفساد الفطرة السوية للانسان.
كما ان العولمة الاستعمارية المعاصرة تعمل على تصريف أزماتها وتستهدف بالخصوص منظومة القيم، ونشر الفوضى والعدمية والشعبوية لتنتعش اقتصاديا وتوسع من ثقافة الاستغلال الاقتصادي القائم على نوفير مناخ الانحلال الاخلاقي .
وقد اصبح الأمن القومي مطلباً لصيقاً بوجود الدولة في الساحة الدولية، لاسيما في ظل وجود ضمانات غير موثوق بها لبقاء أي دولة، أو لصيانة مصالحها، ماعدا تلك التي تتمكن الدولة من بناءها بنفسها، سواء بالاعتماد على قدراتها الذاتية -إذا كانت تملك عوامل القوة اللازمة لذلك-، أو باللحوء الى روابط مؤسسية مع دول أخرى، من اجل زيادة وتقوية الأمن الجماعي، مما يتعين معه احداث مجلس للأمن القومي المغربي يواكب التحديات ويواجه الازمات و يؤمن المكتسبات الوطنية ويرعى الاستقرار من اي مساس.
الدكتور احمد درداري
رئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

playstore
زر الذهاب إلى الأعلى