لقاء فكري بالرباط و احتفاء وطني بذاكرة الممارسة الإبداعية للأديب أحمد اليبوري

playstore

بقلم سمير السباعي
يشكل الاحتفاء بالأعلام الفكرية التي ساهمت في التأسيس للفعل الثقافي و الأكاديمي على مدى عقود طويلة من الممارسة و الإنجاز ببلادنا مطلبا رئيسيا ليس فقط ، من أجل الاعتراف لهذا الاسم أو ذاك بما بذله من جهود في هذا الباب، و إنما لجعل هذه اللحظات الاحتفائية مساحة فكرية يمكن من خلالها مناقشة و رصد جوانب من تطور الممارسة الثقافية ببلادنا منذ العقود الأولى للاستقلال إلى الآن. ضمن هذا السياق نظمت مؤسسة فكر للتنمية و الثقافة والعلوم، في إطار سلسلة “أعلام في الذاكرة” بشراكة مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس الرباط-باب الرواح- و بدعم من وزارة الثقافة والشباب والاتصال قطاع الثقافة، يومه الثلاثاء 07 ماي 2024 على الساعة الثالثة زوالا بمدرج الشريف الادريسي بفضاء الكلية المذكورة ندوة علمية للاحتفاء بالمسار الإبداعي للأديب والناقد المغربي أحمد اليبوري، حيث شكل هذا الحدث الثقافي لحظة فكرية نطقت بأنفاس اعتراف و إشادة بالمنجز العلمي و بالدور الريادي لليبوري الذي ساهم إلى جانب آخرين من الرواد في تأسيس الدرس الأدبي داخل الجامعة المغربية على مدار عقود طويلة من الزمن. صحيح أن الكلمات الافتتاحية لأعضاء اللجنة المنظمة لهذه المناسبة الثقافية ممثلين في رئيس مؤسسة فكر الدكتور محمد الدريوش و الدكتورة ليلى منير العميد بالنيابة للكلية محتضنة اللقاء و الأستاذ الجامعي بنفس الكلية محمد الداهي بالإضافة إلى ممثل وزارة الثقافة حسن مزداوي كداعمة لهذا اللقاء قد اشارت بشكل عام إلى القيمة الهامة لهذه المناسبة الفكرية كحدث يحاول أن يعترف بالقيمة الاستثنائية لعلم فكري مغربي رمز إسمه أحمد اليبوري و ذلك في إطار ما يمكن أن نسميه حفظ الذاكرة الثقافية لأعلام ساهمت عبر مساحات من النضال العملي و الأكاديمي الوطني، في صناعة زخم الجامعة المغربية عبر أجيال متعددة و التي يمثل فيها الأستاذ الدكتور أحمد اليبوري أحد أسمائها التاريخية البارزة الذي ساهم متنقلا ما بين المؤسسات الجامعية في الرباط أو في فاس في التأسيس رفقة الرواد للدرس الجامعي ببلادنا إلى جانب قيادته النشيطة لاتحاد كتاب المغرب خلال فترة من الزمن كأحد التنظيمات الثقافية التاريخية بالمغرب و التي تمت الإشارة إلى ضرورة تكثيف الجهود لإعادة بعث زخم ممارستها بالأمس الآن من طرف الفاعلين المعنيين . و انسجاما مع اختيارنا أن تكون هذه المادة الصحفية تفاعلية أكثر مع هذه أنفاس هذه اللحظة الثقافية و دون الدخول في سردية الكتابة التقريرية، يمكن الإمساك بثلاثة محاور رئيسية شكلت بشكل عام الإطار الناظم الذي ذهبت في اتجاهه أغلب المشاركات و القراءات العلمية التي حاولنا التفاعل معها قدر الإمكان بنفس صحفي مدرك لرمزية الحدث و دلالة اسم المحتفى يه في الوجدان الثقافي الجمعي بالمغرب. لقد عمل أساتذة جامعيون وباحثون متخصصون في السرديات و النقد الأدبي خلال هذا اللقاء على تسليط الضوء على ملامح من التجربة الأدبية و النقدية و الأكاديمية التي ميزت المسار العلمي لأحمد اليبوري. لكن قبل مناقشة ما جاء في هذه النقاشات، نختار أن نرصد داخل هذا المقال جانبا من المداخلة التي شارك بها هذا الأستاذ اليبوري نفسه و التي مثلت مساحة قول و بوح حاول من خلالها التناغم مع سردية اللقاء و تيمته الاحتفائية حيث أشار في هذا الصدد إلى اعتزازه بهذه المناسبة الأصيلة معتبرا أن قيم الوطنية و العمل التلقائي الغير محكوم بمنطق البحث عن المصلحة الخاصة، هي مبادئ كانت موجهة لعمل جيل بأكمله من رواد الممارسة الجامعية ببلادنا أمثال الراحلين محمد عزيز الحبابي و أمجد الطرابلسي مرورا بدينامية كتاب و أستاذة آخرين أمثال محمد برادة و الراحل حسن المنيعي و هي تجارب أعلام أشاد اليبوري بالانتماء و المشاركة إلى جانبها في التأسيس لمساحات من السردية الأدبية سواء داخل الحرم الجامعي المغربي أو داخل الساحة الثقافية ببلادنا بشكل عام. و إجمالا و كما أشرنا سلفا يمكن الوقوف على ثلاثة عناوين شكلت في عموميتها الأرضية التي حركت أغلب باقي مناقشات الأساتذة المشاركين بهذه الندوة العلمية. أولا، المساهمة التاريخية لأحمد الياوري في التأسيس للدرس السردي والنقد الأدبي داخل المشهد الجامعي و الثقافي بالمغرب، حيث جاءت الإشارة في هذا الباب إلى الحضور القوي لليبوري في إعطاء المسألة الأدبية مساحتها الأصيلة إن شئنا القول داخل مدرج الجامعة المغربية من خلال اضطلاعه لعقود طويلة بالتدريس داخل مؤسسات جامعية مساهما داخلها في تأطير أجيال من الطلبة أصبحوا في ما بعد حاملين لمشعل السردية المغربية تدريسا و تأليفا، معززين مساراتهم الفكرية و المهنية بالقاعدة العلمية الصلبة التي منحتها إياهم دروس أحمد اليبوري (تفاعلا مع جزء من مداخلة الأستاذ سعيد يقطين)، الأمر الذي يتقاطع هنا مع ما جاء في حديث البعض عن قيمة التجربة الأدبية التي أسست لها المنجزات الفكرية و السلوك الوطني لأحمد اليبوري مع التأكيد أيضا على قدرة هذا الأخير في رصد والتقاط لحظات التحول السياسي والعلمي، الذي عرفته بلادنا في لحظات زمنية تاريخية معينة و ليجعل من الانتباه إلى حجم الموروث الثقافي المغربي مدخلا للبحث عن سرديات مغربية استطاع من خلالها اليبوري الدفاع عن شرعية وجود سرود مغربية بكل أجناسها الأدبية المتنوعة التي تتضمنها بعيدا عن التحكم الذي ظلت تفرضه السرديات العربية داخل مساحات دروس الأدب في بلادنا ولتصبح بذلك تربتنا الثقافية المغربية الأرضية المثلى التي بنى عليها اليبوري تجربته الأدبية باحثا فيها عن صدى وجودنا الجمالي و الفني(تفاعلا مع جزء من مداخلة الأستاذ باحاسان). الأمر الذي ينسجم مع حديث آخر داخل هذه الندوة أشارت أنفاسه إلى المشاركة المتميزة لأحمد اليبوري كأحد الرواد الأوائل الذين كان لهم الفضل في الدفاع عن حضور الأدب المغربي داخل الفعل الجامعي ببلادنا في سياق تاريخي حينها و سياسي كان يتطلب شرطا وحيدا للإنجاز و المرافعة ألى و هي الجرأة(تفاعلا مع جزء من مداخلة الأستاذ شعيب حليفي). أما المحور الثاني الذي برز كإطار آخر لأشغال هذا اللقاء الفكري هو أحمد اليبوري مثال لقيم الأستاذية الأصيلة والمنتجة، حيث نجد أن إشارات عديدة انصبت جلها على تثمين العمق القيمي الذي أسس له المحتفى به على طوال سنوات من التدريس الجامعي عمل من خلالها على الدفاع بصرامة أكاديمية و أخلاق علمية عن الموضوعية في التلقي و الإنتاج بحس تكويني راهن من خلاله، على جعل طلبة الأمس الذين هم أساتذة اليوم متشبعين بالفكر النقدي الذي يسعى إلى تفكيك السردية الأدبية ووضع متونها موضع التساؤل و التفكير خاصة على مستوى البيئة التاريخية المنتجة للمفاهيم المتداولة و المستهلكة في المناخ العربي السردي. لتشكل تجربة اليبوري الأكاديمية حسب ما تم التصريح به رمزا لمؤثر استطاع أن يجعل للتأثير معنى حضاري عميق لا علاقة له بما يرتبط في أذهاننا و مسامعنا اليوم من معنى سلبي لكلمة مؤثر(تفاعلا مع جزء من مداخلة الأستاذة نزهة الكرام). الأمر الذي أكدته أحاديث أخرى صارت في نفس المنحى حينما أكدت هي الأخرى على معنى الأستاذية الذي تمثلها أحمد اليبوري طيلة مساره الجامعي كمدرس شارك في التأسيس لعدد من المسالك البحثية في الدراسات العليا داخل فضاء الجامعة المغربية إلى جانب إشرافه النشيط و المستمر على عدة رسائل و أطروحات أو مناقشة المنجز منها، كل هذا بأخلاق علمية عالية كانت تخلق جسرا من التواصل البناء مع أجيال من الطلبة والباحثين ( تفاعلا مع جزء من مداخلتي سعيد يقطين و شعيب حليفي). أما المحور الثالث الذي ظهر كمساحة أخرى للنقاش الذي عرفته هذه الندوة فيمكن تسميته بالمنجز العلمي لأحمد اليابوري بين العمق الفكري و الحس الوطني في الإنجاز بالأمس و آفاق الاستثمار اليوم ، على اعتبار أن بعض وقفات القول داخل هذه الندوة أكدت على عمق المتون السردية و النقدية التي قام اليبوري بإنجازها على مدى عقود من مساره الإبداعي سواء عبر دروسه في الحرم الجامعي أو عبر مجموعة التآليف التي عمل من خلالها المحتفى به على معانقة سردنا المغربي العميق كما جاء في إحدى التعبيرات و ليؤسس من خلال ذلك لمشروع فكري نقدي جعل من الممارسات اللغوية والرمزية الساكنة في خطابات الإنسان المغربي موضوعا للسؤال والبحث السردي بنزعة وطنية انتصرت ما أمكن، لخصوصية سرودنا المغربية بروح المثقف العضوي المنخرط في قضايا مجتمعه بعد أن اختار اليبوري السرد موضوعا و مدخلا للبحث لتتشكل بذلك هوية أكاديمية ميزت و لا تزال تجربة هذا الأخير( تفاعلا مع جزء من مداخلتي سعيد يقطين و باحاسان). علما أن هناك من أكد انطلاقا من تقديم إشارات حول بعض الكتابات الشعرية لليبوري أن هذا الأخير نجح إلى حد كبير في رسم ملامح إبداع فكري خاص ،قائم على التخييل و إعمال العقل في نفس الآن(تفاعلا مع جزء من مداخلة عبد الجليل ناظم) مع الإشارة أن البعض الآخر طرح ضرورة استثمار هذا الزخم الفكري للأديب و الناقد اليبوري كحاجة ثقافية ملحة اليوم و ذلك لإعادة إحياء تقاليد الفكر النقدي الأصيل بين صفوف أجيال الطلبة والمهتمين، لأن استنطاق عمق المسار العلمي للرجل يؤكد شرعية إعادة قراءة أعمال الرواد المغاربة قصد تجاوز ما يمكن تسميته بلحظات الأزمة الثقافية حاليا ببلادنا، و لإعطاء روح جديدة لمباحثنا العلمية الآن.( تفاعلا مع جزء من مداخلتي نزهة الكرام و باحاسان). لا ننسى أن مساحات أخرى ساهم من خلالها أساتذة آخرون في إثراء هذا النقاش العلمي ذي الطابع الاحتفائي أمثال عبد الجبار العلمي و إبراهيم مزدادي إلى جانب فسحات التكريم التي حرص من خلالها المنظمون و باقي الطلبة من جيل الألفية على تقديم جوائز تذكارية لأحمد اليبوري كعلم مغربي تظل بصمته قوية في تشكيل جزء من تاريخ الأدب المغربي الحديث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

playstore
زر الذهاب إلى الأعلى