قلم: سمير السباعي
يشكل المسرح مدخلا ثقافيا أصيلا يمكن من خلاله المساهمة في التأسيس للتنمية المنشودة ببلادنا والرامية الى جعل الثقافة رافعة لتحفيز المواطنين على الانخراط و التفاعل بشكل أكبر مع المواعيد الفنية التي تصبو الى أن تكون جسرا نحو اشاعة الفعل الثقافي الجماهيري الخادم لنشر قيم الجمال والمواطنة و عراقة تراثنا التعبيري داخل فضاءاتنا التاريخية. ضمن هذا السياق وفي اطار الاعلان عن تنظيم المهرجان الوطني للمسرح بالحي المحمدي في دورته العاشرة -دورة المرحوم حسن بنواشن- تحت شعار ” ورش مستمر..نحو افاق جديدة” المزمع تنظيمه في الفترة ما بين 19 و 25 ماي 2024 من طرف مجلس دار الشباب الحي المحمدي بشراكة مع مجلس مقاطعة نفس الحي المذكور و بدعم من المسرح الوطني محمد الخامس، بعدد من الفضاءات الثقافية و المؤسسات التعليمية بالمنطقة. تم تنظيم ندوة صحفية يومه الخميس 09 ماي 2024 حوالي الساعة الخامسة والنصف زوالا بالخزانة البلدية للحي المحمدي من طرف اللجنة المنظمة لهذا الموعد الثقافي المسرحي حرص من خلالها المنظمون على تقديم اضاءات حول الأرضية العامة المؤطرة لهذا الاحتفاء الوطني بالمسرح داخل تراب الحي المحمدي و دلالاته التاريخية و القيمية و أهدافه الثقافية والتنموية الى جانب تقديم شروحات أخرى حول جوانب تنظيمية تقنية لها علاقة مباشرة بهذا الحدث الفني. و قد اخترنا عبر هذه المساحة الاعلامية التفاعل مع ما نطقت به هذه الندوة من أنفاس تواصلية حركتها بالأساس مساحات التفاعل والنقاش المفتوح الذي شارك في اثراءه أغلب أعضاء اللجنة المذكورة الى جانب باقي الحضور من اعلاميين و فاعلين جمعويين ومهتمين بالفعل الثقافي والمسرحي خصوصا داخل المجتمع. ودون الدخول في سردية الكتابة التقريرية قررنا أن نجعل من هذه المادة الصحفية متنا تفاعليا أكثر مع هذا اللقاء الصحفي حيث يمكن و بشكل عام، الامساك بثلاثة محاور يظهر أنها شكلت الاطار الناظم الذي ذهبت في اتجاهه مداخلات و نقاشات هذه الندوة. أولا: الحديث عن العمق التاريخي لهذا المهرجان ودلالة الاستمرارية في التنظيم و هو المحور الذي تقاطعت فيه مداخلات بعض الفاعلين في هذا اللقاء بين من اعتبر أن استمرار تجربة تنظيم المهرجان منذ سنة 2000 م الى الان هو تأكيد على نجاح فكرة ما يمكن تسميته بمشروع مسرحي خرج من رحم مسرح الهواة على المستوى المحلي للحي المحمدي ليوسع في ما بعد من قاعدة الفعل نحو الأفق الجهوي لمدينةالبيضاء قبل أن يقرر بعد توالي التنظيمات معانقة الأفق الوطني في الانجاز و المشاركة بل و الانفتاح في خلال بعض الدورات على تجارب مسرحية مغاربية و أخرى ناطقة بالأمازيغية( تفاعلا مع جزء من مداخلتي الصديق راشدي مدير المهرجان و محمد أبو القاسم المنسق العام لهذه الدورة) قبل أن تتناغم أنفاس قول أخرى داخل هذا اللقاء الصحفي، لتعلن أن الشعار المرفوع خلال هذه الدورة هو يحمل في طياته دلالة على تاريخية الفعل المسرحي ببلادنا الذي نهل رواده الأوائل من التراث المغربي لكي يأسسوا لممارسات مسرحية عملت على تطوير نفسها مع مرور الزمن من خلال ما طرحته و تطرحه من أوراش مسرحية مفتوحة على مواكبة التحولات المجتمعية داخل المشهد المغربي(تفاعلا مع جزء من مداخلة أحمد طنيش المسؤول الاعلامي للمهرجان). في حين فضل البعض مقاربة هذا البعد التاريخي للممارسة المسرحية التي أسس لها هذا المهرجان من خلال التأكيد على الدور الريادي الذي دشنه الفاعل المدني الناشط داخل دار الشباب الحي المحمدي كمعلمة تاريخية، أخذت على عاتقها منذ التأسيس دعم الفعل الثقافي بشكل عام و المسرحي على وجه الخصوص بما في ذلك هذا الاحتفاء الوطني بالمسرح داخل عبر هذا المهرجان الى جانب ما كان يقدمه العمل الكشفي للطفولة والشباب في هذا الباب( تفاعلا مع جزء من مداخلة خالد مستعيد المسؤول عن المحافظة العامة بالمهرجان)، وهو ما يمكن ربطه بما تم التصريح به أيضا داخل هذا اللقاء في انسجام مع هذا المحور الأول حينما تمت الاشارة، الى أن هذا الزخم الثقافي الذي أسسه هذا المهرجان هو في جانب منه معبر عن هوية ثقافية ينطق بها الحي المحمدي تاريخيا ان صح التعبير ، هوية تعتبر هي الأرضية والمدخل لبناء أي فعل سياسي أو فني بالمنطقة ( تفاعلا مع جزء من مداخلة طنيش) .و لا ينبغي هنا نسيان أن متون مداخلات أخرى و التي شارك بها بعض الفاعلين الاعلاميين و الجمعويين تقاطعت الى حد ما مع هذا المحور الأول، خصوصا بين من طرح سؤال حضور الذاكرة و التراث في هذا الاحتفاء المسرحي خلال هذه الدورة من المهرجان و بين من استفسرت عن مدى استحضار الاحتفاء باليوم الوطني للمسرح (14 ماي من كل سنة) داخل هذه الاحتفالية الوطنية بالفن المسرحية. و هو ما حاولت اللجنة المنظمة التفاعل معه من خلال التأكيد على أن المسرح المغربي كورش مفتوح، يظل في عمقه منطلقا من المعطى التراثي و الفعل التاريخي للممارسة المسرحية ببلادنا، وهو ما جعل النقاش يذهب في اتجاه تثمين اللحظة التاريخية التي أسس من خلالها الفاعلون المسرحيون الرواد بالمشهد الثقافي المغربي حينما نجحوا عبر الاعلام العمومي بداية التسعينات من القرن الماضي، في الترافع عن واقع الفن المسرحي و ضرورة النهوض به حينها على مختلف الأصعدة، ليأتي التجاوب الملكي السامي للراحل الحسن الثاني كي يعطي دفعة قوية للشأن المسرحي الوطني ما فتح الباب مباشرة انذاك لعقد المناظرة الوطنية الأولى للمسرح المغربي خلال نفس الفترة و ليكون تاريخ 14 ماي 1992 الذي تليت فيه رسالة الملك الراحل أمام الفاعلين المسرحيبن المغاربة المشاركين بالمناظرة مناسبة، اختارت من خلالها هذه الفئة جعل 14 ماي من كل سنة موعدا لتخليد والاحتفاء باليوم الوطني للمسرح، وهو الأمر الذي يتزامن مع الزمن المسرحي ان صح القول لهذا المهرجان بالحي المحمدي بالعاصمة الاقتصادية للمملكة قصد المساهمة في فتح نقاش عمومي حول واقع ورهانات المسرح ببلانا كورش ثقافي يظل الاشتغال عليه مفتوحا على افاق عديدة. (تفاعلا مع جزء من مداخلتي أحمد طنيش و محمد أبو القاسم). وقد شكل موضوع تنظيم المهرجان بين نضالات الفاعل المدني الجمعوي و انخراط الفاعل المؤسساتي، المحور الثاني الذي ساهم بدوره في تحريك النقاش العام داخل هذه الندوة، حيث نسجل ما جاء هنا من اشارة حول الدور الريادي الذي لعبه الفاعل الثقافي المدني النشيط بفضاءات الحي المحمدي و الذي ساهم خاصة عبر مؤسسة دار الشباب في النهوض بالتكوين والتأطير المسرحي لفاءدة أطفال و شباب الساكنة، ما شكل عامل نجاح حقيقي للدورات السابقة للمهرجان الوطني للمسرح بالمنطقة حيث كان التطوع والرغبة في الممارسة الثقافية البعيدة عن منطق الحسابات المصلحية الضيقة هو القاعدة القيمية التي أنجحت الاشعاع الذي حظي به هذا الموعد الثقافي منذ بداية الألفية الى الان، مدعوما في ذلك بطبيعة الحال وحسب ما تم التقاطه من أنفاس المداخلات والمناقشات خلال هذه الندوة الصحفية بشراكة حقيقية تم التأسيس لها بين الفاعل الجمعوي المنتمي عضويا لمنظومة دار الشباب و بين صاحب القرار السياسي داخل مجلس مقاطعة الحي المحمدي،خصوصا أن أغلب أعضاء هذا الأخير هم في الأصل من أبناء و بنات العمل الجمعوي بالمنطقة والذين خبروا على ما يظهر تطلعات و قيم وأهداف العمل الثقافي المدني بالشكل الذي عزز جسور الاتصال والتناغم بين المشروع الجمعوي و مشاريع مجلس المقاطعة ذات التيمة الفنية خدمة لتحريك المشهد الثقافي لفائدة ساكنة المنطقة. رغم أن الاشارة هنا كانت واضحة للتكوين الرائد الذي اضطلع به فاعلوا دار الشباب الحي المحمدي الأوائل الذين أنتجهم معهد تكوين أطر الشبيبة والرياضة بالرباط، والذين ساهموا خلال حقب سابقة في تكوين أسماء كان لها حضور وازن في المشهد الثقافي ككل خاصة على المستوى المحلي، قبل أن يشكل تراجع الوزارة الوصية عن تدبير قطاع الثقافة والمسرح داخل دور الشباب بالشكل الاداري والتنظيمي كما كان عليه الحال في الأمس، سببا اخر حسب البعض في تراجع زخم الفعل المسرحي الذي أسست له تجارب الرواد.( تفاعلا مع جزء من مداخلتي ابو القاسم و ممثل مجلس المقاطعة محمد غافر والفاعل الجمعوي محمد زهير). يبقى العنوان الثالث الذي يمكن رصده كمحور أخير شكل بدوره أحد مداخل النقاش والتداول الذي عرفته أشغال هذه الندوة فيمكن تسميته بالبعد التكويني للمهرجان بين واقع التأطير و اكراهات توفير فضاءات الممارسة. خصوصا اذا علمنا أن احدى الفقرات المهمة المبرمج تنفيذها على هامش هذا الحدث الثقافي الجمعوي ذي البعد الوطني هو تنظيم ورشات تكوينية، حول بعض مفاهيم و تقنيات وأدوات الفن المسرحي تنظيرا و تدريبا داخل المؤسسات التعليمية التابعة لمديرية الحي المحمدي عين السبع حيث سيتفيد عدد من التلاميذ والأطر التربوية و شباب المنطقة، من دروس تأطيرية يؤطرها عدد من رواد و أعلام الفعل المسرحي التربوي والجمعوي أمثال ادريس كسرى و فريد لمكدر الى جانب اخرين. و قد حظيت هذه المساحة التكوينية بنقاش مهم داخل هذا اللقاء الصحفي بين من اعتبر أنها فرصة جيدة لتعريف الشباب الصامت المولوع بالفن المسرحي بأبجديات هذا الفعل الثقافي حتى وان كان الأمر محدودا في الزمان “أسبوع المهرجان” حسب قول البعض، الا أن هذا يعتبر لبنة أولية و محمودة ان صح التعبير في مشروع كبير لتكوين جيل جديد قادر على حمل مشعل الممارسة المسرحية مع التأكيد على أن الاعتماد فقط على أسماء فاعلين مسرحيين محليين كمكونين لهذه الورشات لا يشكل لأن الميزانية المالية للمهرجان أولا لتسمح باستقطاب أسماء نجوم معروفة في هذا الباب حسب قول البعض و لأن الرهان على العنصر البشري المحلي الذي راكم تاريخا من التطوع في تنشيط الثقافة والمسرح بالحي المحمدي يظل كبيرا و فيصل نجاح هذه التداريب المنتظرة على أمل أن يكون هذا التحريك للمشهد الثقافي من خلال هذا المهرجان فاتحة خير لخلخة جمود الثقافة في بعدها الجمعوي التأطيري بالحي المحمدي حسب البعض الاخر ( تفاعلا مع جزء من مداخلة خالد مستعيد و محمد ابو القاسم والمستشار الجماعي سعيد الشتيوي). و انسجاما مع تيمة هذا المحور فقد سجلنا تحفظ البعض على برمجة كل العروض داخل فضاءات ثقافية بالمنطقة معروفة بمحدودية طاقتها الاستيعابية وظروفها التقنية و لا تسمح بخلق ما يمكن تسميته بجماهيرية الفرجة المسرحية، الأمر الذي تفاعلت معه اللجنة بالتأكيد على أن الجهود المبذولة حاليا تسعى الى انجاح هذه الدورة على أمل حل اشكال الوعاء العقاري داخل تراب مقاطعة الحي المحدي بتنسيق مع ممثلي الادارة الترابية المركزية و ذلك عبر مشروع مستعجل هو اقتناء المقاطعة لمبنى سينما السعادة التاريخي، ليمنح للساكنة والزوار فضاء عاما جديدا أكثر رحابة ان صح التعبير لخلق الاشعاع المسرحي المرغوب فيه مع العمل قريبا على تأهيل و تجهيز فضاء الشباب المشروع ليعطي بدوره الاضافة المرجوة في هذا الباب.(تفاعلا مع جزء من مداخلة أحد الحضور و ممثل مقاطعة الحي المحمدي). لا ننسى أن هذا اللقاء الصحفي عرف هوامش أخرى من النقاش حاول من خلالها بعض الحضور التساؤل حول معايير انتقاء الفرق المسرحية المشاركة، الى جانب طرح ضرورة جعل العروض تقام على شكل مسابقات تنافس بين الفرق المشاركة بما يسمح باعطاء هواة و محترفي المسرح بالمنطقة امكانية معانقة فعل مسرحي قاءم على ضرورة انجاح الخلق والابداع ان صح التعبير، قبل أن تجيب أنفاس حديث أخرى بالقول أن معيار اختيار الفرق المشاركة في العروض المسرحية المبرمجة كان بالأساس هو التوافق بين الجهتين المنظمتين مجلس دار الشباب و مقاطعة الحي المحمدي. ( تفاعلا مع جزء من مداخلة أحد الحضور و المنسق العام للمهرجان و الفاعل المسرحي طارق الخالدي). كما تم طرح سؤال حول بعض الفاعلين والجمعويين كأسماء يتكرر وجودها في سماء المشهد الثقافي بالحي المحمدي خاصة على مستوى التنشيط و التنفيذ، الأمر الذي اعتبرته اللجنة أن تاريخية ووزن بعض هذه الأسماء وحسها التطوعي لازال يسمح لها بمساحات من المشاركة، قصد تأطير العنصر البشري الصاعد المأمول حمله لمشعل التنشيط الثقافي ان صح التعبير بالحي المحمدي مكان الفاعلين الرواد. ( تفاعلا مع ما جاء في حديث احدى الحاضرات و السيد محمد ابو القاسم). و تبقى هذه المواعيد الثقافية على الرغم من ما تطرحه لدى البعض من اشكالات حول سؤال التنظيم و الاشراف و هوامش المشاركة مساحة لفعل ثقافي يعطي الأمل باعادة ماضي الزمن الجمعوي الجميل، الذي كانت تتظافر فيه الجهود ببلادنا بجهود ذاتية و بحس وطني لانجاح رهان التنمية الثقافية لفائدة الجماهير الشعبية، شريطة ضمان تثمين الجهود المبذولة مع الوقوف على مكامن الخلل و الضعف عبر القراءة النقدية الهادئة والحوار البناء بعيدا عن منطق الصراع و المصالح الضيقة في أفق دعم و تطوير التجارب المنجزة و توحيد الجهود لما فيه خدمة الشأن الثقافي بحس وطني و برؤية تنموية تعطي الحق للجميع في المشاركة المواطنة.