أمينة أوسعيد
وقف عند حدّك : قبلة على الخد دون سابق إنذار.. لمسة في منطقة حساسة دون مقدمات.. كلمات إيحائية يجردها صاحبها من ثياب الحياء ليلقي بيها وسط حديث مهني.. وغيرها وغيرها من الطرق المثيرة للاشمئزاز التي يتكئ عليها المتحرش للايقاع بضحيته..وعوض أن يكون مكان العمل للعمل فقط، يصبح بيئة خصبة للتحرش تتحول فيها الموظفة أو المتدربة إلى فريسة على مرمى العين عند أول فرصة يتم انتهاك حرمة جسدها.. ليتم تحميلها في النهاية مسؤولية أي تصرف أرعن يصدر من المتحرش وتنطلق سهام الاتهام باتجاه لباسها وطريقة حديثها ومشيتها.. أي شيء عدى سوء خلق المتحرش..
تعمدت تكرار كلمة “المتحرش” عسى أن تطرق كلماتي ضمير أي منهم فيصحو ويتخلى عن عادة بئيسة تسبب أضرارا نفسية للكثيرات.. وتقطع أرزاقهن ويغادرن غير متأسفات عن عمل أو فترة تدريب كانت ستغني سيرتهن الذاتية.. فالقويات يرفضن المزايدة على قدسية أجسادهن والمكرهات بسبب ظروفهن الاقتصادية البئيسة، يلتزمن الصمت ويرضخن لرغبات مرضى النفوس خشية فقدان عمل ممرغ في وحل النزوات أو خوفا من عدم تصديقهن خاصة إن كان المتحرش هو الرئيس في العمل وفي بعض الأحيان يلذن بالصمت خشية نظرة المجتمع والشعور بخزي غير مسؤولات عنه خاصة إن كن متزوجات.. ترى هل بالغت في هذه المقدمة؟! قطعا لا…
بالرجوع إلى التقرير السنوي الذي كشفت عنه الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، الذي قدم بالرباط شهر غشت 2024، فقد أبرز حجم تفشي ظاهرة “إساءة استغلال الوظائف لأجل الحصول على منفعة جنسية” ؛ وقد دعت المؤسسة الدستورية التي تعنى بمحاربة الفساد، إلى تصنيفها ضمن الأفعال المكونة لجريمة الفساد، وعدم اعتبارها مجرد أفعال غير أخلاقية أو تحرش جنسي عادي. وذلك بعد تفجر مجموعة من الفضائح التي كسرن فيها ضحايا التحرش طوق الصمت وقررن اللجوء إلى القضاء.. لكن يبقى السؤال المطروح هل العقوبة ستمنع تكرار الأمر أو توقفه؟!
لقد ناضل الكثيرون والكثيرات من أجل انتزاع قانون يجرم التحرش والعنف ضد النساء بشقيه النفسي والجسدي.. وكان ذلك وتم إصدار القانون رقم 103-13 بالجريدة الرسمية بتاريخ 12/03/2018.. حيث اعتبر المشرع جريمة التحرش جنحة لا تتجاوز فيها العقوبة الحبسية ستة أشهر وغرامة مالية تتراوح بين 2000 إلى 10000، ويمكن للمحكمة أن تحكم بإحدى هاتين العقوبتين فقط. لكن القانون يعاقب ولا يردع ولم يستطع القضاء على ظاهرة تجدرت في سلوك البعض وتتكرر يوميا في فضاءات العمل.. وبما أن عدد الشكايات في الموضوع تبقى محتشمة للأسباب التي ذكرتها سابقا.. فأيدي المتحرشين وشفاههم ستمد لا محالة إلى أن تجد من تقول “وقف عند حدك”