تعيش المنظومة التعليمية بالمغرب على وقع توتر حاد بين الأساتذة والأستاذات العاملين في القطاع و بين الوزارة الوصية على هذا الأخير، على خلفية إقرار الحكومة رسميا للنظام الأساسي الموحد الخاص بموظفي قطاع التربية والتعليم في المغرب و الذي اعتبرته أرضية قانونية جديدة تروم من خلالها تدبير شامل للوضعيات المهنية لكل الفاعلين داخل المنظومة التعليمية في مدرستنا العمومية بما يتناسب مع الشعارات التربوية الرسمية الجديدة من قبيل تحقيق شروط الجودة والريادة داخل المشهد التعليمي ببلادنا. في حين تعتبر شريحة واسعة من الأساتذة والأستاذات المعنيين بهذا القانون الجديد أن نصوص هذا الأخير جاءت مخيبة للآمال على اعتبار أن بنودا منه ضمنت بشكل واضح إقرارا لتعويضات جديدة شهرية و قارة لفآت مثل المديرين والمفتشين التربويين بما يحسن بشكل مباشر من وضعيتهم المادية، في حين جاءت بنود عديدة أخرى لتضع شروطا سماها المعنيون بالتعجيزية والغير مفهومة تجعل تحقق الزيادة في أجور الأساتذة والترقي في الرتبة والسلاليم الإدارية خاصة من السلم العاشر إلى الحادي عشر رهين ضوابط قانونية جديدة شعارها الأساس الخضوع لممارسة التدريس لسنوات عديدة قبل الحديث عن أي إمكانية للزيادة في الأجرة مع الإلزامية بتنفيذ أنشطة الحياة المدرسية التي ظلت تفعل لعقود في مدارسنا المغربية العمومية بمبادرات حرة و تطوعية من طرف الأساتذة حسب ما يسمح به الزمن المدرسي. بالإضافة أيضا إلى ما جاء به نفس النظام من إقرار مهام تربوية و إدارية أخرى خارج أوقات الحصص الرسمية داخل الفصل التي أصبح تحديد عدد ساعاتها رهين قرار من السلطة المحلية بمعنى أنها قابلة لأن تتجاوز عدد ساعات التدريس الأسبوعي المعمول به حاليا في القطاع وهو ما تم اعتباره من طرف الاساتذة والأستاذات و فاعلين تربويين أمرا غير منطقي طالما أنه سيثقل كاهل المدرس المغربي العمومي بمهام إضافية ستحد من أدائه الوظيفي المرتبط أساسا بتنشيط و تأطير عملية التعلم داخل الفصل الدراسي خصوصا أن هذه المهام الجديدة المتوقعة غير مؤطرة بأي تحفيزات مادية وهو ما تم اعتباره من طرف المعنيين حيفا من طرف وزارة التربية والتعليم الأولي و الرياضة بل و اعتبروه إرادة حقيقية من طرف الحكومة لجعل أستاذ (ة) المدرسة العمومية يمارس وظيفته الحضارية المتمثلة في تعليم وتأهيل و تربية الناشئة المغربية تحت ضغوط مهام إضافية ملزمة، التي جعلها النظام الأساسي الجديد شرطا أساسيا للاستمرار و الاستقرار في نفس الرتبة و الدرجة داخل السلم الإداري للأساتذة بما سيحقق بعد سنوات عديدة من العمل تحسينا محدودا لدخلهم المادي ضمن ما سماه القانون الجديد بمشروع مدرسة الريادة التي طرحت عدة إشكالات على مستوى الفلسفة الحاكمة وآفاق التنزيل. وهي إجراءات لا تحقق حسب كثيرين مطلب الآنية المستعجلة في تحسين قاعدة الأجور الحالية المخصصة لنساء ورجال التعليم العمومي على الاقل في مستواها القاعدي رغبة في مواجهة تحديات الواقع المعيشي الحالي الذي يمس أغلب شرائح المجتمع المغربي، و المطبوع بالزيادات الصاروخية في الاسعار بما ينعكس سلبا على القدرة الشرائية لأغلب المواطنين. و لا ننسى بطبيعة الحال تذمر “أساتذة التعاقد” الذين حرص النظام الأساسي الجديد تسميتهم بأطر الأكاديميات الجهوية للتربية و التعليم، ذلك أنه لم يشر صراحة لأي إدماج لهؤلاء في أسلاك الوظيفة العمومية بما ينسجم و مطالبهم النضالية التي انطلقت منذ إقرار التوظيف بالعقدة سنة 2016 على اعتبار أن وضعيتهم الحالية لا تحقق لهم صفة موظف عمومي له كامل الحقوق المنصوص عليها في قوانين الوظيفة العمومية ببلادنا، و هي الوضعية التي تطرح إشكالات قانونية عديدة خاصة للراغبين في اجتياز مباريات التوظيف داخل التعليم العالي أو قطاعات أخرى عمومية من الحاصلين على الماستر والدكتوراه حيث يعتبر هذا المطمح شبه مستحيل حاليا في ظل عدم وجود منصب مالي ممركز تابع بشكل مباشر للوزارة الوصية على القطاع. و قد أسفرت هذه الوضعية الحالية تصاعد حركة الاحتجاج والدخول في إضرابات عامة عن العمل من طرف عدد كبير من الأساتذة بنسب مشاركة عالية حسب أغلب التقديرات المتداولة، خاصة مع ما شهدته شوارع الرباط الثلاثاء 07 نونبر 2023 خلال المسيرة الاحتجاجية التي سميت ب”المليونية” و التي رفعت شعارا واحدا هو ضرورة إسقاط القانون الأساسي الجديد الذي أقرته وزارة بنموسى. و هو ما يعني توقف الدراسة في أغلب المدارس والثانويات العمومية بالمغرب منذ ما يقارب الشهر على فترات متقطعة الأمر الذي يشكل مصدر قلق متصاعد لعدد من الأسر التي ترفض هذا الضياع للزمن للمدرسي لأبنائها و بناتها، حيث دعا كثير من أولياء أمور التلاميذ عبر خرجات إعلامية إلى ضرورة إسراع الحكومة بإيجاد حل لمطالب الاساتذة بما يحقق عودة منشودة للحياة المدرسية بفضاءات التعلم العمومي ببلادنا. فعل تعتبر التطمينات التي أدلت بها عدد من الهيآت النقابية في بلادنا بخصوص إجراء جلسات تفاوض مباشرة مع رئيس الحكومة لحلحلة هذا الملف ذات مصداقية ؟ أم أنها محاولة سماها الأساتذة المعنيون بمناورة مكشوفة للقفز على ما يسمونه بمطالب عادلة ومشروعة خصوصا أن الحكومة لحد الساعة لم يصدر عنها أي بلاغ يؤكد هذا التفاوض المزعوم لحل هذا الملف؟ وهل سيتمر المشهد التعليمي داخل المدرسة العمومية رهين سياسات حكومية غير واضحة المعالم أم أن مطالب الاساتذة تعبر عن عمق الإشكال البنيوي داخل منظومتنا التعليمية؟