في الأجزاء الثلاثة السابقة قدمنا للقارئ كيف يتعامل الحاكمون مع ما نسميه بالقطاعات التي تشكل عماد الاقتصاد الوطني من صيد بحري و فلاحة و سياحة .
في الجزء الرابع سنواصل رصد مفارقات تعكس نوعية السياسات التي تتخبط فيها الدولة في علاقتها مع المواطن .
كل عملية بيع و شراء تخضع لسلسلة انتاج تبدأ من المواد الأساسية نباتية كانت او حيوانية ، و تمر من مرحلة التصنيع او التعليب او التحويل ،لنصل الى المنتوج المرغوب ،لتبدأ عملية التسويق بين التصدير و السوق الداخلية .
وطبعا وسط هذه السلسلة هناك وسطاء هم من يحدد السعر الذي سيكون عليه المنتج في السوق .
ساعرض هنا لمناذج قد تكون بعيدة عن اهتمامات القارئ ،لكنها معبرة .
من علامات الوعي و الحداثة و الديموقراطية أن تشجع اي دولة الإصدارات الفكرية و العلوم و الاعلام المكتوب . خاصة إذا علمنا ان بلادنا كانت من الدول العربية الأولى التي عرفت الطباعة و ادخلت المطبعة الى السوق المغربية .
لكن الغريب اليوم ان تجربة اصدار كتاب جد مكلفة ،و اما التوزيع فإن الاحتكار التي تمارسه شركة التوزيع جعلها تحدد اكثر من 40٪ من مبلغ الكتاب ككلفة توزيع ، و هو ما تسبب اولا في غلاء الكتب المغربية ،و جعل منها مجرد اصدارات لا يمكن ان تكون استثمارا .
لكن في المقابل ، يتم اغراق السوق الداخلية بالكتب الصادرة من المشرق العربي ،فيتم بيع مجلات وكتب مع ملحقها باثمنة زهيدة لا تتجاوز في الغالب الأعم 15 درهما للمجلة وملحقها الذي هو عبارة عن كتاب !!!!
اما ببلادنا فيصعب اصدار كتيب صغير وبيعه بمبلغ اقل من 25 درهما ، و الكتب التي تتجاوز 120 صفحة تتراوح بين 30 الى 60 درهما و هكذا تصاعديا !!!!!
كتب تأتيك من بعيد وتم شحنها عبر الطائرات و السفن و توزع على اوسع نطاق بالبلاد و جودتها الورقية رائعة و مضمونها متفاوت ،وإن كان غالبيته مترجم من الانجليزية ،يقدم للمواطن المغربي بمبلغ 5 الى 10 دراهم !!!!!!!
بالمناسبة ،هذا الواقع لا علاقة له بالتكنولوجيا وتراجع الاصدار الورقي ،لان هذا واقعنا منذ سبعينيات القرن الماضي ، عندما كان كل شيئ ياتينا من العراق و الكويت و الامارات ومن مصر بنسبة أقل ، وكانت اثمنتها في المتناول ،لكن ما يصلنا من الرباط و الدار البيضاء وباريس بفرنسا فهو باهض الثمن .
ومن المفارقات العجيبة ان الكتاب المغاربة توجهوا بكتبهم الى المشرق حيث دور النشر تطبع وتعلب و تشحن الكتب وترسلها لاصحابها باثمنة جد وجد مناسبة ، فإما ان يوزعها على معارفه ويكون هامش الربح معقولا او يعطيها لشركة التوزيع التي تأخد على الجاهز حصة الأسد و تترك للكاتب الفتات ، بدعوى انها شركة ارباح و الكاتب مفكر و مبدع ولا تهمه الارقام !!!!!
من الكتب الى المقاهي و المطاعم في الجزء الخامس ،
انتظروني
فهل تعتبرون ؟