أمينة أوسعيد
وراء جدران الصمت : كان سائق الطاكسي ينصت بتمعن لصوت المذيعة التي تقدم برنامجها الإذاعي الذي يناقش القضايا الاجتماعية والمشاكل الأسرية. رفع صوت المذياع أكثر عندما استقبلت المذيعة اتصالا هاتفيا من أحد المستمعين. التصق سمعي بالمذياع، فوجدت نفسي أنصت بخشوع وأشارك السائق فضوله لتتبع البرنامج. بدأ المتصل يحكي قصته ومشاكله مع زوجته والمرارة تقطر من كلماته، وكانت المذيعة توقفه كل مرة لتستفسره عن سبب الجفاء الذي أصاب علاقتهما. سماها أخطاء فادحة ارتكبتها زوجته في حقه بإهماله وتقصيرها عاطفيا في حقه، وعدم احترامه كزوج وكشخص حارب على كل الجبهات ليظفر بها كزوجة، فانتهى بهما المطاف كغريبين يجمعهما سقف بيت واحد وطفلان، لكن لكل واحد منهما عالمه الخاص الذي يسعه.
سرد المتصل قصته التي تشبه الكثير من القصص ثم انقطع الخط..
تختلف القصص والمعاناة واحدة. حكايات يعيشها مجموعة من الأزواج الذين قرروا الانفصال عاطفيا وآثروا الحفاظ على “الرباط المقدس” أمام أعين العائلة والناس والمجتمع. بيوتهم تلمع من الخارج وفي عمقها شرخ لا يمكن رتقه أبدا.
ما إن تفتح باب النقاش في موضوع الطلاق الصامت كما يسميه الأخصائيون، حتى تتدحرج كل المشاكل الواقفة خلفه. لكل واحد أسبابه التي يتكئ عليها لتبرير الوضع الشاذ الذي يعيشه. الأزواج يشكون من التقصير والإهمال، والزوجات يشتكين من انعدام التقدير والاهتمام، الأمر الذي يجعل كل واحد منهم يسعى إلى طرف ثالث يحقق معه الإشباع العاطفي الذي يبحث عنه.
قبل التطرق إلى هذه النقطة وجب النبش في بعض هذه الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق الصامت.
في بعض الأحيان تبدأ القصة مبكرا، باختيار شريك لا يتوافق فكريا ولا عاطفيا، ويكون المعيار الذي قام عليه الزواج هو المظهر الخارجي وشكل الشريك أو الشريكة، وبعد مرور “سبعيام ديال الباكور” وانقشاع ضباب الإعجاب والانبهار تطفو الحقيقة على السطح، ويصعب معها إيجاد حل غير الركون إلى الصمت واستمرار الحياة على أمل التغيير، ليأتي الأطفال رغم غياب الحب، فتتعقد الأمور أكثر، فيصعب معها الطلاق الشرعي، ولكن يسهل الانفصال العاطفي حينها..
التقليل من شأن الزوجة وإهانتها هو سبب آخر من أسباب الطلاق الصامت، كما يمكن أن يكون العكس صحيح، حتى لا أكون متحيزة لحواء.. فبعض الزوجات لا يفوتن الفرصة لإهانة أزواجهن، خصوصا أمام العائلة، وهنا يفيض كأس الصبر وتتحول الحياة الزوجية إلى مجرد واجبات تؤدى على مضض، في غياب تام للحوار والتعاطف والرحمة بين الزوجين.
كما لا يمكن إنكار الدور التخريبي الذي باتت تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي التي تسوّق لحياة مثالية براقة، كلها حب وتفاهم، فيسقط الكثيرون والكثيرات في فخ المقارنات بين حياتهم البئيسة الواقعية وبين ما يشاهدونه ويتمنونه.
بعض النصائح الملغمة أيضا التي تُروج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تدعو إلى الفردانية والأنانية في التعامل مع المحيط، بمن فيهم الزوج والأبناء، ساهمت بشكل كبير في تعميق الفجوة بين الأزواج. العمل بهذه النصائح التخريبية واتخاد أصحابها كنموذج أثر سلبا على العلاقات الزوجية، خاصة في شقها الحميمي.
أمام هذا الوضع الذي تغيب فيه لغة التواصل بين الزوجين، وانعدام الحوار، وفتور المشاعر والعواطف، يضطر كل طرف إلى البحث عن حضن آخر يملأ الفراغ العاطفي الحاصل، وهذا ما يتم خلسة في غرف الدردشة، حيث يبدأ الأمر ببوح وفضفضة وينتهي بعلاقات متشابكة وخيانات هنا وهناك.