ندوة فكرية تناقش مدى التزام السياسي المغربي اليوم بروح ثورة الملك والشعب

بقلم سمير السباعي
في إطار الاحتفاء بالذكرى السبعين لثورة الملك والشعب، احتضت المدرسة الوطنية العليا للفنون والمهن التابعة لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء يومه السبت 19 غشت 2023 على الساعة السابعة مساء ندوة فكرية وطنية بعنوان “ثورة الملك والشعب والتلاحم الوطني حول الملكية” من تنظيم مقاطعة سيدي عثمان بالدار البيضاء و بشراكة مع جمعية الجيل الذهبي و مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث و النيابة الإقليمية السامية لقدماء المقاومين و أعضاء جيش التحرير بعمالتي إقليم مديونة و مقاطعات ابن مسيك ومولاي رشيد.
و لا يمكن حقيقة لأي فاعل إعلامي أو متتبع للشأن الوطني إلا أن يقف عند حجم المناقشات التي رافقت هذا اللقاء الفكري الذي تجاوز الطابع الاحتفالي حسب كثير من المتتبعين والمهتمين المعروف بمثل هذه المناسبات الوطنية إلى مناقشة ذكرى ثورة الملك و الشعب في أبعادها التاريخية والدستورية والسياسية الراهنة.
ضمن هذا الإطار حاولت هذه الندوة التي كانت مسيرة من طرف الدكتور عبد اللطيف مستكفي الأستاذ الباحث في القانون الدستوري و العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء و عضو مجلس مقاطعة سيدي عثمان بنفس المدينة أن تقارب الموضوع من مداخل متعددة، فالدكتور مصطفى الصوفي أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض عمل في مداخلته على التأكيد على القيمة التاريخية التي لازالت هذه الذكرى تحتلها عند عموم المغاربة في تجاوز لأي شعار مناسباتي، على اعتبار أن لحظة 20غشت 1953 هي محطة مهمة تعكس العمق التاريخي للأمة المغربية، معتبرا أنها كانت نتاج تراكم لرد فعل مغربي وطني ضد المشاريع الاستعمارية التي استهدفت السيادة المغربية منذ أواسط القرن التاسع عشر وصولا إلى لحظة نفي السلطان الشرعي الراحل محمد الخامس. والجدير بالقول حسب الصوفي أن على المغاربة اليوم الانتباه إلى أن قوة ثورة الملك والشعب تكمن في أنها كانت نافذة للدخول إلى مرحلة أخرى من البناء والتأسيس للدولة المستقلة في المغرب بشكل يستلزم من كل الفاعلين اليوم الاستمرار في مسلسل الجهاد الأكبر قصد مواجهة كل التحديات المطروحة على راهننا المغربي من دفاع عن الوحدة الترابية أو معالجة قضايا ذات بعد اجتماعي وتنموي. في المقابل كانت مداخلة الدكتور سعيد الخمري أستاذ القانون العام بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء محطة للوقوف على أهم المعالم الممكن رصدها للتلاحم بين الملك والشعب داخل النص الدستوري المغربي، بالإضافة إلى الحديث عن آفاق الاستثمار الواعد لهذه الرابطة الوثيقة بين الجماهير المغربية و الملك في تنزيل برامج تنموية على أرض الواقع. اعتبر الخمري إذن أن المتن الدستوري يؤكد بشكل واضح على الطابع الملكي لنظام الحكم في المغرب لكن بمنطق قانوني يسمح بمشاركة المغاربة في التدبير والتسيير عن طريق ممارسة برلمانية ديموقراطية تحقق توازنا مرغوبا فيه داخل النظام السياسي المغربي.
وهو ما ينسجم مع واقع تعدد الروافد الحضارية و اللغوية المشكلة لما نسميه بالهوية المغربية، الأمر الذي يؤكد تاريخية النسق السياسي في المغرب الذي يسمح حسب نصوص دستور 2011 الحالي لباقي المؤسسات من برلمان وحكومة و جماعات ترابية، بأن تمارس كل واحدة من موقعها اختصاصاتها الدستورية و التزاماتها الانتخابية بشكل يحقق عمليا المشاريع التنموية لصالح المواطنين، شريطة انخراط باقي الفاعلين من فعاليات المجتمع المدني و المنابر الإعلامية والقطاع الخاص في دينامية تخدم قضايا الرأي العام المغربي والمصلحة العامة.
وقد حرص بدوره الدكتور عمر الشرقاوي أستاذ العلوم السياسية و القانون الدستوري بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء في كلمته أولا، على أهمية استحضار حجم التضحيات التي ضحى بها عدد من رجالات و نساء مغرب الاستعمار من أجل أن تنعتق بلادنا من نير الاحتلال وتنال استقلالها.
و ثانيا، على التأكيد أن استمرارية الاحتفاء الوطني بذكرى 20 غشت إلى الآن مع ما يمثله ذلك من استحضار للحظة تاريخية عبر فيها الشعب المغربي عن تمسكه بملكه الشرعي، يؤكد بشكل واضح أن المغرب يمثل نموذجا للدولة الأمة التي تمتلك رصيدا حضاريا وتاريخا من الممارسة السياسية طالما أن جذور النظام الملكي المغربي نفسه تعود إلى قرون ماضية من التاريخ. وبالتالي فقد اعتبر الشرقاوي أن هذه المناسبة الاحتفالية هي تجسيد للدفاع عن توابثنا الجامعة التي ليست موضوع تفرقة أو خلاف، سواء منها الدين الحنيف الذي لا مجال لأي فاعل أو طرف احتكار خطابه، أو جعله مطية للكسب السياسي أو المؤسسة الملكية التي تحظى بشرعية تاريخية ودستورية تجعلها حكما فوق باقي المؤسسات بنفس سلطاني.
لكن ما ينبغي الإمساك به الآن حسب المتدخل نفسه هو ضرورة استلهام روح الوطنية والتضحية والمعقولية التي عبر عنها الوطنيون المغاربة بالأمس في الفعل السياسي عند ممارسي السياسة بالمغرب اليوم، خاصة أن روح ثورة الملك والشعب تظل لها استمراريتها و امتدادها الزمني طالما أن التحدي الكبير المطروح حاليا، هو الحفاظ على استقلال بلادنا ووحدتها الترابية في وجه المشاريع الاستعمارية الجديدة التي أصبحت قادرة على زعزعة استقرار عدد من الدول دون الحاجة إلى هجمات استعمارية مادية مباشرة.
بما في ذلك الوقوف ضد منطق التعالي في الخطاب عند بعض الشركاء القدامى كفرنسا والذي أكد المغرب الرسمي حاليا رفضه الحازم لاستمراره طالما أن تنويع الشراكات الدولية أصبح استراتيجية و شعارا ديناميكيا في السياسة الخارجية للبلاد اليوم و التي تقودها الرؤية الملكية. وبالتالي فالفاعل السياسي و المدني بالمغرب الآن مطالب حسب الشرقاوي، بتجاوز الحسابات الضيقة و تجنب الركوب على المبادرات الملكية ليكون أكثر التزاما وتشبعا بروح الوطنية التي تجسدها ثورة الملك والشعب من أجل تدبير عدد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية المطروحة بقوة على الساحة المغربية.
للإشارة فقد شهدت نهاية هذا اللقاء الفكري نقاشا بين عدد من الحضور و المحاضرين انصبت في عمومها على الحديث حول مدى تمثل أحزابنا اليوم التي هي نتاج بيئتنا المغربية لتحديات الراهن الحالي مع ضرورة تجاوز منطق السوداوية في رصد تطورات المشهد المغربي من خلال تثمين الجهود المبذولة و التنبيه للتعثرات الحاصلة.

Exit mobile version