قيم المواطنة المغربية بين تثمين العمق التاريخي للتشكل و رصد آفاق الممارسة

متابعة أشغال ندوة فكرية: سمير السباعي

تشكل القراءة التاريخية مدخلا أساسيا لبناء فهم موضوعي نسبي لطبيعة الحال لمدى حضور قيم المواطنة في السلوك الفردي و الجمعي للمغاربة بين سياقات التشكل و رهانات الممارسة اليوم، في أفق وضع تصور للشروط المثلى الكفيلة بتحقق هذه القيمية المنشودة داخل مجتمعنا عبر استحضار العمق التاريخي لمفهوم المواطنة داخل المشهد المغربي. ضمن هذا السياق نظمت الجمعية المغربية للمعرفة التاريخية بشراكة مع كلية الآداب و العلوم الإنسانية المحمدية، و بتنسيق مع شعبة التاريخ التابعة لهذه الأخيرة يومه الخميس 25 أبريل 2024 على الساعة العاشرة والنصف صباحا مائدة مستديرة بنفس الكلية، اختار من خلالها فاعلون منتمون لحقول متنوعة، أكاديمية و حقوقية و إعلامية بالإضافة إلى الحقل التربوي مناقشة مساهمة الدرس التاريخي في تعزيز قيم المواطنة المغربية اليوم من مداخل متعددة. و قد حاولت مساحات التدخل التي اضطلع بها السيد عبد الحميد ابن الفاروق عميد المؤسسة الجامعية المذكورة أن تؤكد على أهمية هذا اللقاء الفكري كلحظة أكاديمية لنقاش مفاهيم مركزية لها طابع آني راهني خصوصا ما تم تسميته بمفهوم الوطن المسكن، قبل أن يتم اعتبار أن اللقاء هو تدشين لسلسلة من المواعيد القادمة في نفس الإطار. في حين اعتبر الأستاذ عادل يعقوب في كلمته كرئيس لشعبة التاريخ بنفس المؤسسة المذكورة ، أن طبيعة الموضوع المطروح للنقاش في الندوة يؤكد بدرجة أساس على مساحات الفعل المطروحة أمام المؤرخ المحكوم دائما بضرورة التقيد بالضوابط العلمية الأكاديمية المتعارف عليها، لإنتاج خطاب موضوعي إلى حد ما، و لكن المدعو في نفس الوقت إلى الانخراط كمثقف عضوي في النقاشات العمومية التي تقارب قضايا المجتمع. و قد شكلت هذه القراءة المدخلية توطئة أكد من خلالها عادل يعقوب ليس فقط على أهمية الدرس التاريخي كمحدد لفهم حركية المجتمع المغربي الثقافية و السياسية و الاجتماعية، و إنما لجعل هذا الفهم نفسه سبيلا لرصد قيم المواطنة كمنتوج لهذه الدينامية التاريخية ككل، علما أن مساحة التدخل نفسها استحضرت أهمية الكتابات التاريخية الأولى التي عمل من خلالها رواد البحث التاريخي الأوائل في المغرب المستقل، على الانتصار للبعد الوطني للشخصية المغربية. و لا يمكن إغفال هنا بعض الوقفات التي ساهم من خلالها أستاذ التاريخ خالد أوعسو في تنشيط هذا الموعد الثقافي إبان لحظاته الأولى، في تناغم مع الكلمات الافتتاحية المؤطرة للقاء. و حقيقة و لكي نجعل من هذه المادة الصحفية مقالا تفاعليا مع الحدث أكثر منه سردية تقريرية يمكن إجمالا الإمساك بثلاثة محاور رئيسة شكلت الأرضية التي تم من خلالها بناء النسق العام للنقاش الذي عرفته أشغال هذه المائدة العلمية المستديرة، بمقاربة ديداكتيكية على حد تعبير الأستاذ عبد المجيد القدوري مسير اللقاء و ناظم أرضيته الفكرية . أولا، علاقة المواطنة المغربية الراهنة بالتاريخ و الذاكرة خصوصا على مستوى المفهوم و المصطلح. و ثانيا، مساهمة النسيج الجمعوي بالمغرب في ترسيخ قيم المواطنة. ثم أخيرا، أشكال المقاربة التربوية المعمول بها في منظومة التربية والتكوين الرسمية لترسيخ قيم المواطنة وسط الناشئة التعليمية بالجهة. ومن الملاحظ أن تجربة المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد حضرت كشاهد على ممارسة مؤسساتية على لسان أمينها العام منير بنصالح، من خلال ما تم التأكيد عليه من فتح المؤسسة المعنية لأوراش استنطاق للذاكرة الجمعية الناطقة بلحظات العنف السياسي الذي مورس في المغرب بعد الاستقلال بناء على المعرفة التاريخية القادرة على ضبط سياقات التاريخ المنتج للحظات التوتر تلك في التاريخ المغربي الراهن تناغما مع ما جاء في توصيات هيأة الإنصاف و المصالحة التي دعت إلى جعل المعرفة التاريخية إطارا لتوثيق و ترميم ما نسميه نحن بذاكرات الألم الجمعي صونا للحقيقة و تعزيزا للتماسك المجتمعي والهوية الوطنية الموحدة. أما المقاربة العلمية الأكاديمية للدرس التاريخي نفسه و التي جاءت على لسان أستاذ التاريخ و الفاعل الجمعوي حسن أميلي، فقد شكلت مساحة أخرى من النقاش بنت مقاربتها اعتمادا على استحضار مفهوم المواطن أولا، كنتاج للحداثة الفكرية الغربية و الذي جعلته فردا يسعى إلى خدمة المصلحة العامة، وهو المعطى الذي لم نستطع نحن تمثله في مشهدنا المغربي كسلوك مدني ممارس إلا مع مؤسسة الحماية الاستعمارية، قبل أن يساهم زخم العمل الجمعوي خاصة مع بعض الأوراش الوطنية بعيد الاستقلال كطريق الوحدة لسنة 1957 في دعم ممارسة قيم المواطنة الهادفة لخدمة المصلحة العامة للوطن دون أي مقابل. أما المقاربة الإعلامية و السياسية للموضوع و التي مثلتها أنفاس تدخل الصحفي و الكاتب عبد الحميد الجماهري فكانت إضافة مهمة للنقاش العام الذي عرفته الندوة، خاصة أنها اعتبرت الدرس التاريخي قادر على دعم الممارسة المجتمعية المسؤولة و الواعية من طرف كل الفاعلين لمفهوم المواطنة كمصطلح ذي حمولة إغريقية يعني مشاركة الفرد الحر بإرادته الحرة الواعية في تدبير فضاء العيش المشترك، بعيدا عن سرديات الخطاب العاطفي خاصة و أن لحظات الالتحام الوطني المغربي إبان التصادم مع المد العثماني خلال الفترة السعدية و ارتكاز الدولة المغربية على الأسطوغرافيا التاريخية لتأكيد تبعية صحرائنا لوطنها الأم إبان الترافع القانوني في محكمة العدل الدولية على الملف قبيل المسيرة الخضراء 1975 شكلت و لا تزال أرضية مؤسسة لشعور المغاربة التاريخي بالانتماء لوطن إسمه المغرب عبر سلوك المواطنة الداعي حسب أحاديث المداخلة إلى التناغم مع التغيير والتطور خصوصا أن الزخم الدستوري الحالي ببلادنا و مفهوم الملك المواطن يسمح بمعانقة المغاربة لقيم المواطنة حتى و إن ظل الثقل التاريخي للدولة الإمبراطورية داخل وطننا المغرب قائما . أما المقاربة التربوية التي جسدتها مداخلات كل من عبد المومن طالب مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين الدار البيضاء سطات و عزيز بويدية المدير الإقليمي لقطاع التربية والتكوين بمديونة و المحمدية، فكانت مناسبة لقراءة المجهود الرسمي المبذول داخل المؤسسات التعليمية بالجهة المذكورة، و الطامحة إلى تعزيز قيم المواطنة المغربية في السلوك المدني المنشود للناشئة في تناغم مع البعد القيمي الكوني، و ذلك عبر برمجة دورية و شبه منتظمة لعدد من الأنشطة التعلمية الصفية أو المرتبطة بالحياة المدرسية بشراكة مع بعض طلبة الجامعات و جمعيات المجتمع المدني وفي حضور التعبوي للفاعل التربوي الممارس بالمؤسسات المعنية. و حري بالذكر أن اللقاء عرف قبيل نهايته هوامش من التفاعل عبر من خلالها بشكل عام فاعلون، أمثال رئيس جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء السيد الناصري و الإعلامي أحمد طنيش والسيد القباج العميد الجامعي السابق على أهمية مساهمة الحرم الجامعي داخل مختلف الكليات في ترسيخ قيم المواطنة المنشودة.

Exit mobile version