تاريخ الماء في المغرب الغني، ومتحف الماء بمراكش شاهد على ذلك. لكن لا يمكن الاغتناء أو جلب العملة الصعبة على حساب الأمن المائي !!!
أطلقت بلادنا برنامجا استعجاليا 2020 -2027 بمبلغ يفوق 120 مليار درهم ومخطط بعيد المدى 2050 يقرب 400 مليار درهم. ويتم إنجاز الكثير *من المشاريع في هذا الاطار* مع تسريع الوتيرة نظرا لحالة الجفاف الذي طال لخمس سنوات وايضا للطلب المتزايد على الماء, والاستهلاك الغير المعقلن في بعض القطاعات.
ويشرف جلالة الملك شخصيا، حفظه الله، بصرامة ووضوح حيث أمر بمراجعة كل البرامج القطاعية ذات الصلة من أجل الترشيد. كما دعا إلى عدم جعل الماء مجالا للصراعات السياسية وتأجيج الأوضاع الاجتماعية.
وأؤمن اقتناعا بعد الدراسة والتجربة أن الأولويات الكبرى لبلادنا تتمثل في الأخلاق والوحدة الترابية والأمن *والماء والغداء* والتعليم والصحة والشغل والطاقة والقضاء والأسرة والحكامة.
وإسهاما مني في النقاش الوطني حول الماء والدعوة إلى مبادرات هادفة وقياما بالنصح والواجب الديني والوطني بكل مسؤولية وتقدير، أدعو إلى مايلي :
– دعم جهود الدولة وتثمينها في كل البرامج والمشاريع المائية والالتزام بخطط الترشيد وعقلنة الاستهلاك الذي يمثل تقريبا 80٪ في الفلاحة و20٪ في المدن والتجمعات السكنية.
– دراسة تجارب بعض دول أمريكا اللاتينية وغيرها التي شجعت الفلاحة التصديرية والصناعات التي تستنزف الماء وأدت الثمن باهضا أمنيا واجتماعيا واقتصاديا، ومن أجل استخلاص العبر والدروس واستشراف المستقبل.
– اليقضة والحذر من مستثمرين ينتقلون من دولة إلى أخرى بعد استنزاف الفرشة المائية ويستغلون الأراضي والتحفيزات أبشع استغلال وقد يستعملون أسمدة ضارة للزيادة في الإنتاج!!!
– العمل على إحداث صندوق تضامني للماء، مع الرفع من ثمن اشطر استهلاك الماء، مع مراعاة القدرة الشرائية للأسر المسجلة في السجل الاجتماعي والطبقة المتوسط الدنيا.
– اشتراط تقديم الدعم الموجه للأنشطة الاقتصادية والفلاحية بضرورة ترشيد استغلال الماء وفق معايير شفافة وعادلة. مع تخصيص المزيد من التحفيزات المالية للمستثمرين الذين يحققون نتائج مرضية في ذلك.
– الصرامة في الموافقة على مشاريع الاستغلال المهني والفلاحي لأراضي الدولة والجموع والأوقاف بالالتزام بالأنشطة المستدامة والأقل استهلاكا للماء.
– إلزام استعمال الأشجار والنباتات الغدائية والتزينية والطبية والغابوية الأقل استنزافا للماء والأكثر مقاومة للجفاف وهي كثيرة ومربحة أيضا: تجربة أستراليا نمودجا.
– فرض تغيير الأنشطة الفلاحية ) conversion) إلى أنشطة أقل استهلاكا للماء مع تخصيص دعم لذلك مشابه للدعم الموجه للنقل الأقل تلويثا والاقل استهلاكا للمحروقات.
– التعجيل بإنجاز برنامج تدوير المياه العادمة فهي مورد لا يقدر بثمن ولا ينفذ، مع تمكين القطاع الخاص من الاستثمار في ذلك واستغلاله وتسويقه!!!
– إطلاق برنامج إلزامي لترصيص أكثر من ثلثي المساحات الخضراء سواء في الإدارات أوالمرافق الاجتماعية والثقافية أوالسياحية واستعمال الأشجار والنباتات المناسبة.
– إطلاق حملة وطنية سنوية حول ترشيد استهلاك الماء يشارك فيها الجميع بدءا بالتوعية الدينية ثم الإعلامية والجمعوية مع تشجيع الإنتاج العملي والثقافي والفني.
– مراجعة مادتي التربية الإسلامية والتربية الوطنية لتعزيز الالتزام والرشد في السلوك والأخلاق والقيام بالواجب وتجويد نمط الاستهلاك وخاصة الماء بجانب الالتزام بالقيم والحفاظ على الصحة ومحاربة الانحراف وتعظيم العلمو المعرفة والحفاظ على مصالح الوطن وثرواته وعلى رأسها الثروة المائية ..!!!
– وأخيرا إعطاء القدوة في ترشيد استهلاك الماء من طرف كبار الدولة ومسؤوليها وخدامها وموظفيها، وقد يكون الامر تحت مراقبة الدولة لأنهم الأولى بذلك وقدوة للمجتمع!!!
إن أكبر تبدير وأشد إشراف يكون في الماء *حتى لو كانت الوفرة وحتى لو كان في العبادة/ الوضوء* كما أخبرنا وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد حذرنا ربنا عز وجل **إن المبدرين كانوا إخوان الشياطين ** حتى لو كانوا مواطنين أو مسؤولين أو مراقبين أو مهنيين !!!
كم سررت عندما تم تعميم خطبة الجمعة حول الماء إيمانا مني ان التدين الصحيح والواعي قد يساهم في التنمية الشاملة والمستدامة ويقلل من الإنحراف وخيانة الأمانة ويحاصر التطرف والغلو ويساهم في محاربة الفساد ويحفظ على الأسرة وتجويد نمط الاستهلاك في كل شيء وخاصة في الماء الذي هو أساس الحياة.
اللهم أغثنا يارب بالمطر ولا تحرمنا من رحمتك واهدنا لأحسن السبل للترشيد والاستدامة.
عزيز رباح
الاثنين 5 فبراير 2024