صنهاجة التاريخ امتداد في عمق الهوية و الاحداث
بقلم الرحالي عبد الغفور
يعتبر تاريخ قبائل صنهاجة الشمس صفحة مجيدة في تاريخ المغرب، حيث امتدت أدوارهم من تأسيس الإمبراطوريات إلى مقاومة الفرنسي، مرورا بدورهم في توحيد البلاد ودعم النظام الملكي العلوي. في هذا المقال، سنسلط الضوء على مختلف المحطات التاريخية لهذه القبائل، مع توثيق أسماء القادة، تواريخ الأحداث، والدور البارز في التشبث ببيعة العلويين ودعم النظام الملكي.
أصل قبائل صنهاجة الشمس وامتدادهم الجغرافي
تعود قبائل صنهاجة إلى فرع أمازيغي عريق يمتد عبر شمال إفريقيا وصولاً إلى الصحراء الكبرى، وتعتبر من القبائل التي استوطنت مناطق متعددة في المغرب، منها مناطق الجنوب والصحراء وإقليم تاونات في الشمال. ينقسم هذا الفرع الأمازيغي إلى عدد من القبائل الفرعية التي احتفظت بنظامها الاجتماعي التقليدي وتقاليدها الثقافية المميزة.
صعود المرابطين: التأسيس السياسي
كان للمرابطين، الذين ينحدرون من صنهاجة، دور سياسي بارز في القرن الحادي عشر ميلادي، حيث أسسوا إمبراطورية امتدت من الصحراء الكبرى إلى شمال الأندلس. انطلقت الحركة المرابطية بقيادة “عبد الله بن ياسين” الذي أسس رباطاً دينياً عام 1046م، ليبدأ معه توحيد القبائل الأمازيغية في الصحراء. بعد ذلك، تولى “يوسف بن تاشفين” القيادة ليؤسس عام 1061م الدولة المرابطية، ويخوض معارك شهيرة، منها معركة الزلاقة عام 1086م التي حقق فيها نصراً على جيوش ألفونسو السادس، مما ساعد في تأمين نفوذ المرابطين في الأندلس وشمال إفريقيا.
دور صنهاجة في التشبث بالنظام الملكي العلوي
رغم التغيرات السياسية بعد سقوط دولة المرابطين، استمرت قبائل صنهاجة في التشبث بنظام البيعة ودعمها للملوك العلويين الذين تولوا الحكم منذ القرن السابع عشر. وخلال فترات الأزمات الداخلية أو الغزو الخارجي، كانت صنهاجة من القبائل التي دافعت عن شرعية الملكية، وأكدت على ولائها عبر تقديم البيعة للملوك العلويين، معتبرة الملكية رمزاً للوحدة والاستقرار. وتعتبر هذه البيعة جزءاً أساسياً من هوية صنهاجة وثقافتها، مما عزز علاقتها التاريخية بالنظام الملكي المغربي.
مقاومة صنهاجة الشمس للاحتلال الفرنسي: معركة الشجرة الكحلة بجبل الكيل
مع بداية الاستعمار الفرنسي للمغرب عام 1912م، كانت قبائل صنهاجة الشمس في طليعة المقاومة الشعبية المسلحة، وبرز دورها خصوصاً في إقليم تاونات الذي شهد سلسلة من المواجهات الحاسمة. إحدى هذه المعارك الشهيرة كانت “معركة الشجرة الكحلة” التي وقعت في “جبل الكيل” الواقع ضمن نفوذ قبيلة صنهاجة الشمس.
حدثت هذه المعركة في شهر مايو 1924م، حيث تجمع المقاومون بقيادة زعماء صنهاجة المحليين، منهم المقاوم “سي محمد بن علال الصنهاجي” و”السي عبد القادر بن الطيب”. كانت القوات الفرنسية تسعى إلى تأمين طرقها شمال المغرب، إلا أنها واجهت مقاومة شرسة، فصمد المقاومون لعدة أيام، مستخدمين التضاريس الوعرة لجبل الكيل كسلاح ضد تقدم الجيش الفرنسي المدجج بالعتاد الحديث.
أسفرت معركة الشجرة الكحلة عن تكبيد الجيش الفرنسي خسائر معتبرة في العتاد والأرواح، ورغم تفوق العدو العسكري، لم يتمكن من بسط سيطرته على المنطقة بسهولة. وتمكن المقاومون من عرقلة التوسع الفرنسي وتأخير تقدمه نحو المناطق الأخرى، مما شكل رمزاً للصمود لدى قبائل صنهاجة وبقية القبائل المغربية.
محطات أخرى للمقاومة وأسماء بارزة من صنهاجة
إلى جانب معركة الشجرة الكحلة، كانت قبائل صنهاجة الشمس نشطة في عمليات المقاومة على مدى سنوات. ومن بين المقاومين البارزين الذين ساهموا في النضال ضد الاستعمار، نجد “سي أحمد بن عبد الله الصنهاجي” و”سي الحسن بن عابد” اللذين قادا عدداً من العمليات المسلحة في منطقة تاونات. تميز هؤلاء المقاومون بقدرتهم على توظيف خبرتهم في الجبال والممرات الوعرة لشن عمليات مباغتة ضد مواقع الفرنسيين، مما ساهم في رفع معنويات الأهالي وتعزيز الدعم الشعبي للمقاومة.
دور صنهاجة في الاقتصاد والتجارة عبر التاريخ
لعبت قبائل صنهاجة دوراً بارزاً في تجارة القوافل عبر الصحراء، حيث كانت تنظم وتؤمن طرق التجارة التي تربط المغرب بدول جنوب الصحراء. وقد شملت هذه التجارة سلعاً هامة مثل الذهب والملح والجلود، واستمرت حتى فترات متقدمة من التاريخ المغربي. بفضل هذه الأنشطة، ساهمت صنهاجة في ازدهار الاقتصاد المحلي، وأقامت روابط تجارية وثقافية قوية مع مختلف القبائل الإفريقية، مما أضاف بعداً تجارياً إلى دورها في السياسة والمقاومة.
الختام: إرث صنهاجة
خلال تاريخهم، لم تكن قبائل صنهاجة مجرد قبائل محاربة، بل مثلت نموذجاً للتضامن والولاء للوطن، واستطاعت بفضل تمسكها بقيمها ودورها الحاسم في الدفاع عن وحدة المغرب أن تساهم في ترسيخ النظام الملكي، وتستمر كجزء من النسيج الوطني. إن إرث صنهاجة الشمس يظل صفحة مشرقة في تاريخ المغرب، ورمزاً لصمود الشعب المغربي وارتباطه الوثيق بترابه وقيادته