تشكل قراءة تجارب بعض الأسماء الفاعلة في مشهدنا الإعلامي المغربي لحظة أساسية لرصد مساحات مهمة من الممارسة الصحفية ببلادنا، بما يخدم تشكيل رؤية موضوعية نسبيا للمحددات الواقعية التي حركت و لا تزال الفعل الإعلامي بالمغرب. ضمن هذا السياق و في إطار جمعات التواصل التي يحرص على تنظيمها محترف المعرفة و الممارسة الصحفية المؤطر بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء من طرف الأكاديمي والإعلامي أحمد طنيش، تم يوم الجمعة 19أبريل 2024 على الساعة الثالثة و النصف زوالا برحاب نفس الكلية المذكورة استضافة الإعلامي نور الدين مفتاح عبر ماستر كلاس كتعبير عن لحظة احتفائية حاول من خلالها الجهة المنظمة استنطاق التجربة الصحفية و الأكاديمية للضيف المحتفى بما يدعم الجانب التكويني للطلبة المعنيين الراغبين في ولوج عوالم الممارسة الإعلامية الميدانية من مداخل متعددة. و هو الأمر الذي أشار إليه أحمد طنيش مسير هذا اللقاء التواصلي، حينما أكد على العمق البيداغوجي لهذا النوع من المواعيد التواصلية كتتويج لمسار من التكوين النظري و الميداني حرص المحترف المشار إليه الاضطلاع به لصالح المنتسبين إليه طيلة هذا الموسم الجامعي. و إجمالا يمكن الحديث هنا داخل هذا المقال التفاعلي و دون الدخول في حكائية الكتابة التقريرية عن ثلاثة عناوين كبرى شكلت المحاور الرئيسية التي حركت هذه اللحظة الحوارية، التي برزت كاستقراء لتجربة فاعل إعلامي كان من المؤسسين الأوائل لتجربة الصحافة المغربية المستقلة على حد تعبير طنيش، و ذلك رغبة في الوقوف على جوانب مهمة من الممارسة داخل المشهد الإعلامي ببلادنا. لقد اختار نور الدين مفتاح عبر هذه الجلسة الحوارية التفاعلية ، أن يقارب موضوع اللقاء كما أشرنا لذلك عبر ثلاثة مداخل رئيسية: الأولى، حديثه عن بعض السياقات التاريخية التي عرفها المشهد السياسي المغربي و تأثيرها على هوامش الحرية داخل الممارسة الصحفية نفسها، بما في ذلك فترة التسعينات من القرن الماضي التي سمحت فيها الدولة المغربية بمساحات جديدة و متحركة من الإعلام الحر نسبيا البعيد نوعا ما عن منطق التصادم الذي ظل يخيم على علاقة الدولة نفسها بعدد من المنابر الصحفية في المغرب المستقل، المكتوبة بالأساس و التي كانت غالبيتها تنطق بأنفاس و مواقف أحزاب المعارضة إبان ما عرف بسنوات الرصاص. و قد سمح هذا المناخ المتحرك و الرغبة الرسمية في تأمين العبور إلى العهد السياسي الجديد بالمغرب عمن خلال ضمان شروط من الممارسة السياسية الجديدة و الفعل الإعلامي الدينامي في تشكيل حسب ما يستشف من الحوار التفاعلي مع مفتاح، آفاق عملية لتحريك المعطيات داخل المشهد المغربي عبر نسق من التغيير. و قد أعطى تنظيم المناظرة الوطنية للإعلام سنة 1993 زخما للمناخ الصحفي المتحرك بالمغرب حينها، بما تناغم و طموح عدد من الإعلاميين الجدد في تأكيد قيم جديدة داخل الممارسة الصحفية أساسها المهنية و حرية التعبير أو ما سماه مفتاح كسر الطابوهات بعيدا عن ثقل الفعل الإعلامي الغالب حينها، و الذي ظل محكوما بهواجس الانتماء للتنظيمات الحزبية للممارسين أنفسهم. لا ننسى أن اللحظة الحوارية لهذا اللقاء كشفت عن محطات من المسار المهني للإعلامي مفتاح الذي اختار ولوج مهنة الصحافة من بوابة التكوين خلال ثمانينات القرن العشرين، مرورا بخوض تجارب من الممارسة هنا و هناك داخل مؤسسات إعلامية إما مكتوبة أو مرئية كجريدة الاتحاد الاشتراكي و القناة التلفزية المغربية الثانية 2M، وصولا إلى تأسيس أسبوعية الأيام في بداية الألفية الجديدة كتتويج لمسار غني على ما يبدو من التجربة و الاحتكاك رغم ما شابه من لحظات توتر و صدام مع مؤسسات إعلامية نتيجة مواقف سياسية معينة، و رغم بعض التراجع أيضا في سلوك الدولة المغربية الانفتاحي اتجاه هوامش الحرية في العمل الصحفي نتيجة انعكاسات أحداث ماي الإرهابية لسنة 2003 بالدار البيضاء. و قد حظيت أنماط الممارسة الصحفية اليوم ببلادنا، بمساحة مهمة في هذه الجلسة الفكرية بين محترف طنيش و نور الدين مفتاح حيث أكد هذا الأخير على ضرورة حضور عنصري التكوين و التعلم الذاتي لضمان بروز منجزات صحفية تحظى بالمصداقية المهنية المطلوبة، بعيدا عن أنماط من الممارسة الموصوفة بين قوسين بالإعلامية و التي تجعل من التشهير و التفاهة معايير لجذب أكبر نسبة مشاهدة و تتبع للمحتوى المعروض. علما أن ضيف اللقاء حرص على توجيه طلبة المحترف المشار إليه إلى دعم قدرتهم على الكتابة الصحفية كمدخل أساسي للوصول إلى طموح تحقيق الصحفي المتكامل الملم نسبيا بأهم تقنيات الإعلام الرقمي الجديد، مقدما في هذا الإطار مثالا لأقلام مغربية حفرت إسمها بقوة في ذاكرة الممارسة الصحفية ببلادنا كمصطفى القرشاوي و محمد باهي اللذين راهنا أكثر على التكوين الذاتي و القراءة المنتجة و الممارسة المكثفة من أجل شق مسارهما الإعلامي دونما الخضوع لأي تكوين نظامي له علاقة بالمجال. علما أن مهمة الصحفي الرئيسية تظل هي رصد تحولات المشهد الحدثي بالمغرب بحس إعلامي قادر على التقاط الخبر القابل لأن يكون صحفيا، دون لعب دور المناضل العضوي ا حسب ما نطقت به الحوارية مع محمد مفتاح من طرف طنيش، خصوصا إذا انتبهنا حسب هذه الأخيرة إلى الانتشار الكبير للأمية القرائية و التي تشكل عائقا حقيقيا في تحفيز التلقي و التفاعل مع المنتوج الإعلامي المهني. و هو ما فتح باب النقاش خلال تفس الجلسة لرصد آفاق العمل الصحفي المؤسساتي اليوم ببلادنا، خاصة ما صرح به مفتاح بخصوص تأثيرات جائحة كورونا التي أثرت سلبا على إيقاع الإنتاج الصحفي خاصة الورقي منه، و إن كان التركيز هنا كان أكثر على ما نسميه نحن بأعطاب التلقي الإعلامي المنشود طالما أن جلسة الحوار اشارت إلى المناخ السياسي العام الذي يعرف تأزما في علاقة الحكومة مع عدد من الفاعلين بالمجتمع مرورا بحمى الصراعات الداخلية التي يعرفها الجسم الصحفي نفسه بالمغرب و التي تعرقل آمال المهنية و الانطلاقة الجديدة المنشودة، بما يسمح للأصوات الصحفية الصامتة بالعودة إلى معانقة الأنفاس الإعلامية من جديد حسب ما فهمناه من بوح مفتاح الحواري. ينبغي الإشارة هنا أن نهاية اللحظة الحوارية هاته عرفت طرح بعض طلبة المحترف المشار إليه و بعض المهتمين على ضيف الماستر كلاس، أسئلة همت أساسا جوانب لها علاقة بالكتابة الصحفية و القراءة الذاتية و الإعلام الرقمي و علاقة الصحفي بباقي السلط الدستورية في المغرب، وهي قضايا تفاعل معها مفتاح بشكل حواري و بنفس أكاديمي تربوي واضح.