بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين
هناك ثنائية إذا تحققت تحققت معها العدالة الإجتماعية و تحققت الحكامة في التدبير و الإنجاز ، هذه الثنائية هي الحقوق و الواجبات.
من اكبر الإختلالات التي يعرفها مجتمع ما هي حين يحصل التفاوت بين الحقوق و الواجبات.
يعتقد بعض من المواطنين أن حقوقه شرط لواجباته ،وبحجة عدم تحقق حقوقه يغرق في كل ممنوع و يغرق معه المجتمع وهو يلبس لباس المظلومية . دون ان يقنعنا او يقنع نفسه على أي اساس تسبق الحقوق الواجبات ؟
يعتقد بعض المسؤولين ان المواطن عليه فقط واجبات ،اما حقوقه فتاتي بعد الواجبات ، وهم بذلك يدفعون دفعا المواطنين الى الممنوع .
فمن يسبق ,الواجب او الحقوق ؟،ومن ينتج عن الآخر؟ ، هل كلما ادينا واجباتنا تنتج عن ذلك حقوق ؟
ام كلما كسبنا حقوقنا نتجت عن ذلك واجبات ووجب القيام بها ؟
دعونا نقوم بتمرين بسيط لنوضح تلك العلاقة بين الحقوق و الواجبات.
في العلاقات يكون الأجر بعد العمل وليس قبله ،حتى قيل إن تسبيق الإجارة من بطلان العمل ، فالعمل هنا واحب و الأجرة مقابل العمل حق .
إلا ان ما يسبق هذه العلاقة هو وجوب وجود عقد يحدد الواجبات و يقدر لها قدرا من الحقوق .
فيكونان بذلك في مرتبة واحدة لا احد منهما يسبق الآخر ،فالواجب يتم وفق حقوق مكتسبة في عقد قبلي .
في العلاقة مع الله الأمر مختلف فصاحب الحق هنا هو الرب ،و العبد عليه واجبات فقط بلا حقوق في علاقته مع الله ، والتعاقد هنا يتم بالإيمان بالرب ،لكن ليس مقابل حقوق موثقة ولكن مقابل وعد بجنة محققة .
وفي الحالتين الواجبات تسبق الحقوق في الفعل و تتلازمان في العلاقة و العقد و الوعد.
فلماذا بعض المواطنين يريدون الحقوق دون ان يلتفتوا الى واجباتهم ؟
فالعاطل عن العمل بعد رسوبه في الدراسة اخل ببنذ العمل وهو الشهادة ، لكن حامل الشهادة يجعل الدولة مخلة بحق الشغل الذي هو جزء من التعاقد معها .
مواطن يدرك أن المصدر الأساسي للدولة هو الضريبة ،فتجده يمارس مهنا مدرة للدخل لكنها غير مهيكلة و لا تخضع للضرائب او فيها تهرب ضريبي ، فكيف له ان يطالب بالحق في السكن والامن و الصحة والتعليم وهو غير مساهم فيها ؟
في التعاقد بين المواطن والدولة كل هذه حقوق غير مشروطة بأداء الضرائب ، لكن غياب الشرط لا يعني ان نمتهن جميعنا مهنا بلا حصيص ضريبي ونطلب من الدولة أن تأتي بالحقوق من فراغ !!
اما إذا سدد المواطن ضرائبه ، فإن عدم صرفها فيما فيه حقوق الناس يعتبر فسادا يوجب الحساب حد العصيان .
المواطن اليوم في قفص الإتهام بنفس الدرجة التي نرى فيها الدولة في قفص الإتهام ،
المواطن متهم بإصراره على عدم اداء ضرائبه للدولة ، و الدولة متهمة بعدم صرف الضرائب المحصلة فيما فيه حقوق الناس ,
ولكن في حقيقة الأمر يخطئ كثيرون ممن يعتقدون ان المواطن يعمل عند الدولة وعليه واجبات ، لأن الصواب هو ان الدولة هي من تعمل عند المواطن وعملها يوجب واجب حسن إدارة شؤون الناس .
فانت عندما تعطي للدولة ضريبة فأن تعطيها لنفسك و تستثمرها في تحسين معيشتك شرط ان تحسن اختيار من يمثلك في الدولة من الحاكم الى اسفل مدير بإدارة .
فأول واجباتك قبل أن تكون حقا هو واجب إختيار من يدير شؤونك ، وهذا في نفس الوقت حق .
لكنك عندما تتخلى عن هذا الحق إما بالمقاطعة او بيع صوتك فإن سلبيتك وفسادك سيفسد من يرعى مصالحك ، فيكون المطالب بالحقوق فاسدا ببيع صوته ،ويكون صاحب الواجب مخلا بواجباته لأنه نتاج فساد.
في المحصلة ،فساد الأمة من فساد الفرد ، ولا تقل لي ان الانسان لا يولد فاسدا بل المجتمع هو من يفسده ، فالصالح عندما يلد قد لا يلد صالحا ،لكن تربيته له هي من تجعل منه صالحا .
فكلما صلح الفرد كان عاملا في اصلاح الأمة والمجتمع والجماعة او سميها كما شئت ، صلاح فرد واحد وسط مجتمع فاسد يمكن ان يجعل كل المجتمع صالحا كان فيه حاكما او لم يكن .
فعليك بصلاح نفسك. وصلاح من حولك وذاك واجب يسهل لك الطريق لجني حقوقك
غير ذلك ، فأنت تغالط نفسك وترمي باللوم على مجتمعك ودولتك ونسيت انك كما تكون يولى عليك.
فهل تعتبرون ؟