كلنا عباد الله ،و عندما يصيب احدنا مرض او بلاء ، فلا يتجه إلى الخالق باللوم ،لماذا اصابه ولم يصب غيره ، مع اننا عندما كما سالمين لم نقلب الآية و نستفسر لماذا اصاب الله غيرنا و تركنا سالمين !!
إن العبد الذي يؤمن بخالقه فهو يؤمن بحسن تدبيره ولو على ظهر الغيب ،لأنه مؤمن انه لا يظلم ولا يجور .
تعالوا نطبق نفس النظرية على الكرة الأرضية ، فعندما يصيبنا جفاف وقحط وغيرنا تغرقه السماء مطرا و ثلوجا، فتخضر عندهم الارض و يعم الخير ، و عندنا شح في المياه و حقول يابسة قاحلة موحشة ،
فهل نلوم الخالق انه حرمنا من نعمة المطر ؟ ، وهل نلوم من بيننا من الفاسدين و ندعي جهلا ان الله يعاقبنا لذنب لم نقترفه ،ويجمعنا في زمرة المعاقبين بالجفاف والقحط ؟
وهل الدول التي انعم الله عليها بالمطر تعيش في المدينة الفاضلة حيث لا ذنوب و لا جرم و لا معاصي ؟
وكيف يرزقهم الله المطر بسبب خير الفاضلين منهم وليس الجفاف بفضل العاصين منهم ؟
وهل في نظركم لو أحضرنا الطائرات و السفن و البواخر و حملنا اهل إفريقيا التي تعاني الجفاف الى القطب الشمالي ، فهل سيتحول القطب الى ارض قاحلة و يدوب ثلجه و تبرز صخوره ؟
هذا على فرضية أن أهل إفريقيا يعاقبهم الله لمعاصيهم ، ولعنة الله ستصاحبهم اينما رحلوا و ارتحلوا ؟!!!!
الجفاف ظاهرة طبيعية تفرزها تحولات مناخية لله فيها حكمه في تدبير الكون ، ولا علاقة لذلك كله بسلوك الإنسان الذي ليس سوى كائن بين الكائنات .
و الجفاف يفرز نذرة المياه ،مما يتطلب منا ترشيدها وحسن إستعمالها ، فتقوم الدولة التي لا ذنب لها في الجفاف بإتخاذ التدابير من اجل ترشيد الاستعمال ، فيأتي بعضهم فيعارض، وحجته في ذلك ان فئات تستهلك بلا حسيب ولا رقيب ،فيما يطلب من ابناء الشعب تحمل حرمانهم من مادة أساسية كالماء طيلة أيام او ساعات في الأسبوع .
إن المرء حين يعي ما يتوجب عليه فعله في حالات الجفاف ،فهو لا يجب ان ينظر الى غيره ممن يعتبرهم جشعين و غير وطنيين ممن يستهلكون بمختلف الاشكال و يبذرون المياه بسوء و عشوائية , وليس في المنطق في شيئ ان نتمادى في سوء تدبير المياه بدعوى ان الدولة لا تقوم بفرض نفس شروط الاستهلاك على الآخرين .
نعم سيكون من العدل و الإنصاف و حسن التسيير ان تسري على الجميع نفس الإجراءات ،و ان تشمل التدابير مختلف القطاعات ، فلا يعقل ان يكون من يستغل المياه الجوفية عبر الآبار غير معني بمن يستغل المياه عبر انابيب شركات التوزيع .
إن نظام المجتمعات ينبني على التكافل و التضامن ، فالصالحون يشفعون للمفسدين ويدعون لهم بالهداية ، و يقاومون فسادهم حتى يصلح المجتمع ، وليس من المنطق في شيئ ان يغير المصلحون سلوكهم فيفسدوا في الارض مادام بينهم مفسدين ،
و هؤلاء الصالحين وهم يدعون الله في المساجد ان ينزل الغيت وان لا يجعلهم من القانطين ،سيكون من الغباء ان يستثنوا من دعائهم غيرهم ممن يقضي لياليه الحمراء في الرقص و المجون ، و لا ان يرفع مصلي يديه بالدعاء ان يرزقه المطر ويحرم جاره الذي يسيئ معاملته !!!!
لذلك على أشباه الفقهاء ان يتوقفوا عن خطاب التفرقة فوق منابر المساجد وهم يتهمون المصلين الجالسين أمامهم في خشوع بأن الله حرمهم من المطر بسبب معاصيهم و ذنوبهم !!!
وعلينا أن نتوقف عن معاندة تدابير الدولة بحجة أنها تطبق على الفقراء و تستثني الاغنياء !!!
وليس من العقل في شيئ ان نربط تقلبات الجو و إختلاف التضاريس المحكومة بتدبير رباني وحده يعلم اسراره ، وان نسقط ذلك على سلوك البشر.
بالأمس القريب ضرب زلزال قرا تسكنها نساء حملن على اكتافهن الطوب و الحجر لبناء مسجد الدوار ، و يسكنها اطفال صغار حاملين لأجزاء من القرآن الكريم حفظا و ترتيلا ، ورجالا فقهاء مصلحون،
كل هؤلاء إهتزت الارض وإبتلعت أجسامهم الطاهرة ، ولم تهتز كباريهات المدن ولا بعض من منازلها ،
وعندما حل الزلزال ، لم يقم بعملية إنتقاء بين أفراد الأسرة الواحدة ، ولم يهدم بيتا وترك مساجدا كما يدعي البعض ويصور لدغدغة المشاعر و الترويج لفكر الانتقام الإلاهي …
من هذا كله ، بلادنا تمر من سنوات جفاف صعبة وغير مسبوقة ، و مسؤولية كل واحد منا ان يقدم نفسه النموذج للآخرين في ترشيد المياه و حسن تدبيرها دون حاجة ان ينظر الى غيره ولا حاجة ان ينعث الدولة بالميز و الحيف .
إن الحفاظ على الماء هو وعي فردي وجب أن يلتزم صاحبه في الجفاف وفي غير الجفاف ،لكنه اليوم مسؤولية على عاتق كل مواطن مؤمن بقضاء الله و قدره ، مدرك ان الجفاف و المطر إذا جاء أحدهما فهو لا يميز بين الفقير و الغني و لا بين الصالح و الطالح …
فكونوا جزاكم الله خيرا عند حسن ظن الخالق فيكم ، ولا تبذروا المياه عسى الله ينزل رحمته و يعمنا بعطفه و ينزل علينا غيته .
فهل تعتبرون ؟