الحوار الاجتماعي:خداع حكومي وتواطؤ نقابي

كيمية العياشي

ما سُمِّيَ مخرجات الحوار الاجتماعي الذي تم يوم أمس الإثنين 27/11/2023،بين الحكومة وأربع نقابات ،أبان بشكل واضح،وبما لا يدع مجالا للشك أن الحكومة غير جادة فيما تدعيه،وأن النقابات مازالت تلعب دور الأراجوز والإطفائي في يد أولياء نعمتها ،مادامت محكومة بأجندات سياسية ومصلحية ضيقة،كما أزال الغشاوة عن عيون من كانوا يرجون خيرا فيما يسمى حوارات اجتماعية،وأكد صدق الاختيار النضالي الوحدوي للأسرة التعليمية من خارج الإطارات الرسمية كسبيل وحيد لانتزاع الحقوق واسترجاع الكرامة.

فما معنى أن تأتي حكومة،بعد إضرابات وطنية متتالية،ابتدأت من 2018 مع الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد إلى الآن،شلت المدرسة العمومية،وحُرِم خلالها ملايين التلميذات والتلاميذ من زمنهم المدرسي،وأثرت سلبا على مسارهم الدراسي،وتم التنكيل برجال ونساء التعليم،وصدور أحكام قضائية في حقهم،وبعد مسار طويل من الحوارات ….،يأتي رئيس الحكومة ومعه بعض المحسوبين على العمل النقابي ليبشروننا بفتح حوار في ملفات أشبعت نقاشا،وأصبحت معروفة عند النقابي والسياسي والإعلامي والمثقف،بل أصبحت حديث الموائد بين عامة الشعب ؟

ما معنى أن تجعل الحكومة جوابها تجميد النظام الأساسي،ووقف اقطاعات من أجرة شهر دجنبر، وتحديد سقف 15 يناير كتاريخ للإعلان عن عرضها،الذي حتما سيكون هزيلا،إذا أخذنا بعين الاعتبار التكفة المالية والرغبة في إنجاح ما تسميه المشروع الاجتماعي،بالاضافة إلى الظرفية الاقتصادية الصعبة التي مافتئت تختبئ وراءها للتملص من كل التزاماتها ؟!

هل يعد هذا جوابا عن انتظارات موظفي قطاع حيوي وحساس،يصل تعدادهم إلى حوالي 270 ألف أستاذ وأساذة،مكلفون بتدريس حوالي 7 ملايين تلميذة وتلميذ ؟

أزعم أن الأمر مجرد محاولة مخادعة الغرض منها إرجاع الأساتذة إلى الأقسام،ليس حرصا من الحكومة على مصلحة التلاميذ،وإنما فقط لإسكات أصوات جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ التي تعالت في الآونة الأخيرة بشكل ملفت ومثير،وهو الأمر الذي تتخوف منه الحكومة،خاصة في حال عدم التمكن من إجراء الفروض وامتحانات الأسدوس الأول من السنة الدراسية الحالية.

هذا هو الهدف ،الذي بات هاجسا يؤرق الحكومة،وهو السبب الذي دعاها إلى طرح هذه الأوراق الهزيلة والسخيفة على طاولة الحوار،وهو ما يجعلنا نتهم النقابات التي حضرت اللقاء بالتآمر والخيانة،لأنها تعلم أن العرض كان فارغا،وأن الحكومة غرضها إفشال الإضراب وعودة الأساتذة إلى أقسامهم ليس إلا.

ولا نشك بأن النضال الوحدوي التاريخي الذي تخوضه الشغيلة التعليمية بتأطير وتوجيه من التنسيقيات يغضب هذه النقابات،ويسحب البساط من تحتها،وستكون له تداعيات خطيرة على مستقبل تلك الإطارات التي باتت عبارة عن هياكل عظمية،تنخرها الانتهازية والريع،فحتما سيعمل عرابوها على وضع العراقيل والعقبات للحيلولة دون تحقيق أي هدف من هذه الإضرابات.

ولنا أن نتساءل،لماذا لم يتم توسيع دائرة الحوار ،ليشمل نقابات أخرى لها وزنها،وتنسيقيات يرجع إليها الفضل في تجميع الشغيلة التعليمية والنضال وفق ملف مطلبي موحد ؟

أليس الغرض هو “مسرحة الحوار” وتمييعه،وتقديم مقترحات لا ترقى إلى تطلعات نساء ورجال التعليم،مادام الشريك طيعا ،ويسعى إلى إفشال الوحدة الأستاذية التي سحبت منه شرعية النضال باسمها؟

ماذا بعد؟

لا سبيل لنساء ورجال التعليم،لربح معركتهم النضالية من أجل انتزاع حقوقهم المشروعة،وسحب النظام النظام الأساسي الظالم،إلا الاستمرار في تجسيد نضالاتهم بشكل وحدوي،وعدم تكرار الخطأ الذي انجر إليه الأساتذة بحسن نية،لما وضعوا ثقتهم في الموقعين على اتفاق 14 يناير المشؤوم،فكانت النتيجة كولسة الحوار،والانفراد بإخراج نظام أساسي أجهز على المكتسبات،وسلب الأستاذ كرامته،وحرمه من أبسط حقوقه.

Exit mobile version