الإطار الديني والقانوني والسياسي لإصلاح مدونة الأسرة

يعتبر الفصل 41 من الدستور، هو الاساس و جوهر النقاش والمشاورات حول اصلاح مدونة الاسرة ، وذلك انطلاقا من كون الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية.
وان الملك، بصفته أمير المؤمنين، هو رئيس المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه.
ولكون هذا المجلس هو الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى المعتمدة رسميا، بشأن المسائل المحالة عليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة.
و تفعيلا لدور الملك بصفته امير المؤمنين فقد سبق ان افتى في موضوع مدونة الاسرة في خطاب العرش 2022 قائلا: ” ….فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية. محافظا بذلك على مقاصد الشريعة الإسلامية، وآخذا بعين الاعتبار خصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.
و تجسيدا للعناية الملكية التي يوليها الملك للنهوض بقضايا المرأة والاسرة بشكل عام، فقد كلف جلالة الملك رئيس باعادة النظر في مدونة الاسرة بعد مرور 18 سنة على اول اصلاح 2004، حيث كان الهدف من احداث مدونة للأسرة، هو تعزيز دور المرأة داخل الأسرة المغربية مع منحها حقوقا جديدة وتقييد تعدد الأزواج وتسهيل الطلاق.
وبعدما ابان تطبيق المدونة طيلة 18 سنة عن عدم نجاعة نصوص المدونة بمؤشر كثرة الطلاق و هدم بيوت الزوجية اكثر من بنائها، وما لحق ذلك من تبعات عصفت بحقوق المراة والطفل والرجل معا، مما يجب معه البحث خارج القانون و ليس بعيدا عن الدين والوقوف على الاختلالات والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية للأزواج، دون اغفال دور العائلة في الحفاظ على تماسك مؤسسة الزواج ومحاربة الاسهام في تفكيكها.
وانطلاقا من سحب المغرب لتحفظاته بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فان فتح النقاش حول مدونة الأسرة قد تتحول إلى مواجهة بين الإسلاميين والعلمانيين، على غرار ما حدث سنة 2000، حيث أعدت حكومة عبد الرحمن اليوسفي ما عُرف بخطة إدماج المرأة في التنمية، وقد تثبر العلاقات الرضائية مشاكل موجة غضب نابعة من مخالفة الافتاء الملكي القاضي بضرورة احترام النصوص القرآنية، خصوصا معارضة الإسلاميين، التي قد تؤدي الى التظاهر كما تم تنظيم مسيرة مليونية في مدينة الدار البيضاء سنة 2000، مما استدعى تدخل الملك، حيث عين لجنة عهد إليها بالاستماع لمختلف الأطراف وإعداد مدونة الأسرة.
واعتبارا لدور الملك كأمير المؤمنين وحكماً بين المؤسسات، فانه تدخله مرة أخرى ضروري لحسم نفس الصراع المحتدم بين العلمانيين والإسلاميين حول مدونة الأسرة. الذي يجد في الفصل 19 من الدستور سند المطالبة بالمساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، والمناصفة كمبتغى أسمى. مما يقتضي اتباع منهجية تعددية وتشاورية دون الزيغ عن مقاصد الشريعة الاسلامية وخصوصيات المجتمع المغربي طبقا للمذهب المالكي ومبادئ الاعتدال والاجتهاد المنفتح. واشراك جميع المؤسسات والفعاليات الوطنية.
ويمكن إثارة مسألة مدونة للاسر المغربية و الفصل بين الزواج الاسلامي والزواج العلماني والمسيحي واليهودي كل على ملته ودينه ومذهبه، مادام العلماني يرغب في تغيير الحياة الزوجية للمسلمين و دفعهم الى اتباع مذهبه باعتبار المذهب الاصح في نظره. وبالتالي اخراج موضوع الدين من دائرة الصراع للحفاظ على التعددية الثقافية والدينية في البلاد.
ومن بين النقاط التي ستكون موضوع سجال ونقاش مستفيض ايضا ما يلي:
ازمة زواج القاصرات بالنسبة للفتيات دون 18 سنة، فإن المادة 20 من قانون الأسرة كان يتيح للقاضي إمكانية الترخيص بزواج القاصرة بشروط معينة. وهناك اصوات مدافعة عن حقوق النساء وتعارض كليا زواج القاصرات وحذف هذه الصلاحية الممنوحة للقاضي بشكل نهائي.
وكذلك مسألة المساواة في الإرث ستكون ايضا على رأس القضايا، و هي موضوع خلاف نظرا لحساسيتها داخل المجتمع المغربي، بحكم أن المساواة في الإرث بين الجنسين، إذ تصدرت النقاش الدائر حول تعديل مدونة الأسرة، خاصة بعد مطالبة مجموعة من الهيئات والمنظمات الحقوقية بمراجعة منظومة الإرث، سوف يسبب اصطداما مع التيار المحافظ ومع فتوى الملك بعدم تخطى حدود ما احل الله وما حرم الله.
حق الوصاية والحضانة الذي حسب المادة 231 من مدونة الأسرة تمنح تلقائيا للأب، مما يرى فيه المدافعون عن حقوق المرأة “تهميشا” لدور الأم “وحرمانا” للأطفال من حقهم في علاقة متوازنة مع الأبوين، لذلك يرى العلمانيون في ذلك مساس بالمساواة في الحقوق بين الأب والأم والمطالبة بجعل ممارسة هذا الحق بالتساوي بين الزوجين كأوصياء على أطفالهما.
هذا وتتطلب منهجية الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام، مقاربة جماعية و تشاركية، بين كل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، بالاضافة الى المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع اشراك هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين لما تقتضيه عملية استحضار الأبعاد القانونية والقضائية للاصلاح ورفع التوصيات إلى الملك خلال ستة أشهر.
ومن المنتظر ان ينبثق عن المشاورات خلاصات واستنتاجات ومقترحات وتوصيات سيتم رفعها الى الملك، لابداء للنظر فيها ضمن حقل امارة المؤمنين قبل ترجمة العمل الى مشروع قانون وعرضه على البرلمان للمصادقة عليه.
هذا وللبت في الجدال السلبي الذي لا يخدم الاسرة المغربية، يجب الاعتراف بوجود انواع من الزواج حسب الديانات السماويةوحسب الثقافات والملل، وعليه يجب حماية الزواج الاسلامي الذي لا يعني غير المسلمين في شيء ولينزوج غير المسلم طبقا لعقيدته اذا كان غير مسلم.
الدكتور احمد درداري
رئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات بمرتيل

Exit mobile version