عدت قبل قليل ( صبيحة السبت 3/02/2024) ، من جولة صباحية استثنائية بالسيارة تفقدت فيها مختلف فضاءات المدينة ، و عاودت معاينة ما أنجز ، ووقفت عند ما ينجز ،و ما لم ينجز او ما لم تعطى انطلاقته بعد . في إطار التحضير لكتابة هذا المقال .
ومررت بساحة الأمل، فقبل اربع سنوات مضت نصبت الخيمة الكبيرة بها في مثل هذا اليوم ، ليتقدم في اليوم الموالي أعضاء الحكومة و المنتخبون امام صاحب الجلالة للتوقيع على برنامج التنمية الحضرية للمدينة 2020/2024.
بعد شهر بالتمام والكمال و بالضبط بمدينة الدار البيضاء ،و بتاريخ 2 مارس 2020 ، ستسجل اول حالة إصابة بفيروس كورونا ، و البقية تعرفونها جميعا .
بعدها بسنتين و في نفس الشهر ( 24 فبراير2022) ، إجتاحت الجيوش الروسية اوكرانيا لتنطلق الحرب .
الإغلاق الشامل للفضاءات العمومية بسبب جائحة كورونا كان له الأثر في المس بالجدولة الزمنية المقررة لبرنامج التنمية الحضرية ، و هو الأمر الذي كان يمكن تداركه بقليل من المرونة ، لكن الحرب الروسية الأوكرانية كانت أكثر وقعا على البرنامج بحكم ما عرفه العالم من موجة ارتفاع الاسعار في الوقود و مواد البناء وهو ما احدث خللا في الصفقات المعلنة ،و اثر على الجدولة المالية للمشاريع .
لكن قبل كل هذا وذاك ، كانت المدينة سعيدة بان تنال حضها وحصتها من الاستثمار العمومي مثل مدن الرباط و طنجة و مراكش ….
وجاء هذا البرنامج ليلحق مدينة أكادير بهذه المدن و يغير من وجهها لتكون كما اراد لها صاحب الجلالة وسط المغرب .
رئيس جماعة أكادير آنذاك السيد صالح مالوكي عن حزب العدالة و التنمية “جيئ به” امام الملك للتوقيع على البرنامج ، لكنه مع الاسف لم يستثمر موقع حزبه في الحكومة ليفاوض حول نسبة مشاركة الجماعة في هذا البرنامج ، وربما لم يكن على علم بتفاصيله الا وهو يسارع الخطى الى الخيمة التي جلس فيها امام جلالة الملك يوقع الاتفاقيات الخاصة بالبرنامج .!!!
ليس في الامر مزايدة او تبخيسا للرجل ،لكن البرامج المماثلة التي عرفتها مدن بلادنا لم يكن حجم مساهمة الجماعات يتجاوز 17٪ على ابعد تقدير ، لا لشيئ سوى لأن الجماعات كان توقع بناء على قدراتها وإمكانياتها المالية حتى تستطيع الوفاء بإلتزاماتها امام الملك .
لكن في حالة أكادير قررت جماعة أكادير او( فرض عليها ) المساهمة في تمويل البرنامج بمبلغ قدره 1,880 مليار درهم، وهو ما يشكل، تقريبا، نسبة الثلث في ميزانية البرنامج، المحددة في 6 ملايير درهم.
مبلغ يفوق إمكانيات الجماعة و لا يمكنها الوفاء به ، ورغم توجهها نحو بيع عقاراتها- امام معارضة شديدة من الفاعلين السياسيين و الاقتصاديين و المجتمع المدني – إلا ان ذلك لم يحل المشكلة حتى انتهت ولاية العدالة و التنمية، لتنصب الانتخابات حزب الاحرار على رئاسة الجماعة و يكون الرئيس هو نفسه رئيس الحكومة ، وليبتكر نظام السندات كحل لمعضلة عجز الجماعة عن الوفاء بالتزاماتها في البرنامج .
و بخصوص الاشغال المنجزة, فقد سعت العديد من المنابر و الجهات المدنية إلى مصاحبة و مواكبة البرنامج الذي سجلت عليه ملاحظات دقيقة يمكن القول انها أثرت سلبا على الإنجاز بعيدا عن دواعي كورونا و الحرب الروسية :
1- رغم ان جماعة أكادير هي حاملة المشروع إلا انه لوحظ في السنوات الاولى للبرنامج – في ولاية العدالة و التنمية – ان المنتخبين هم آخر من يعلم بسيرورة الانجاز والتتبع و المراقبة ، وترك الجمل بما حمل للسيد الوالي ومدير شركة التنمية يدبرون البرنامج بعيدا عن اعين المنتخبين ،
وهذا كان له الأثر السلبي في الغياب الشبه الكلي للمقاولات المحلية في الإنجاز ، و التي تضطر إلى العمل تحت اشراف شركات من البيضاء و الرباط كان لها حظ نيل الصفقات بالتراضي و الانتقاء و الاتفاق مع السيد الوالي !!!
2- مع بداية الاشغال إخترع المجتمع المدني وصفا لجودة الاشغال و ذلك باستعمال عبارة ” الاشغال البهلوانية”، حيث جالت كاميرات المؤثرين و الصحفيين لتعاين الكثير من الاختلالات التي عرفتها المشاريع خاصة على مستوى الجمالية و( la finition), كما وصفت المشاريع بالبهلوانية لانها تنجز و يعاد هدمها لتنجز من جديد و بشكل مختلف .
و بدأت ساكنة أكادير تستفسر عن وجود مكاتب للدراسات تهم بهذه المشاريع ام انها مجرد قرارات ارتجالية !!!
3- الكلفة الإجمالية لبعض المشاريع تطرح اكثر من علامة استفهام ، فرغم الغلاء الناتج عن الحرب الروسية ،إلا ان بعض الصفقات المعلنة تثير الريبة و الشك بسبب قيمتها المالية المبالغ فيها حسب المتتبعين ، ضاربين المثل بحديقة عبد الرحمان اليوسفي التي بلغت كلفة انجازها ثلاثة ملايير سنتيم ،و هو ما اعتبر مبلغا خياليا بكل المقاييس .
النموذج الثاني المتداول في اوساط المتتبعين يخص أشغال استكمال وإعادة تهيئة دار الفنون بأكادير، هذه البناية التي خصصت لها اعتمادات في المجالس المتعاقبة و قطعت فيها الاشغال اشواطا متقدمة تم تقدير استكمال الاشغال بها بمبلغ فاق ماكان مخصصا لها ساعة اعلان احداثها و حيث تكلفت مبلغ 93,8 مليون درهم، وعلى مساحة مغطاة تبلغ 11.000 متر مربع.
… في اكتوبر من السنة الماضية جاءت قصاصة الانباء بالخبر اليقين بإعفاء السيد الوالي احمد حجي بعد ست سنوات من تدبير ولاية جهة سوس ماسة ، بما في ذلك برنامج التنمية الحضرية ، وتعيين الحركي والوزير السابق سعيد امزازي . لتنطلق التأويلات بأن هذا الإعفاء الذي خضع لمسطرة التعيين في المناصب العليا (حيث يقترح وزير الداخلية على رئيس الحكومة و بدوره يقترح على صاحب الجلالة الذي يعين الولاة و العمال ), وبحكم ان رئيس جماعة أكادير هو نفسه رئيس الحكومة فقد أشر بالموافقة على مقترح وزير الداخلية بإعفاء السيد احمد حجي .
وهو ما يراه المتتبعون من شأنه أن يعطي نفسا جديدا و دفعة قوية لبرنامج التنمية الحضرية للمدينة ،خاصة وان لجنة التتبع و التقييم في إجتماعاتها الأخيرة وقفت عند عجز المدينة عن الإلتزام بالجدولة التي وقعت امام صاحب الجلالة. حيث هناك مشاريع ألغيت او أعيد فيها النظر ،واخرى لم تنطلق بعد ، واخرى تبارح مكانها ، وبدا من الضروري إعطاء نفس جديد لهذه المشاريع عبر تعيين السيد امزازي لعله يحمل معه افكارا جديدة و تدابير استعجالية حتى تكون نهاية سنة 2024 موعدا مع الطي النهائي للبرنامج. و حتى تكون المدينة مستعدة لاحتضان الاستحقاقات القارية و الدولية .
– لكن و نحن على مشارف انهاء ما تبقى من المشاريع لازالت النخبة الإدارية و الثقافية و الفنية المحلية تكرر نفس السؤال حول آليات و سبل تدبير المرافق المنجزة من دار للفنون و المسرح الكبير و المكتبة الوسائطية و المتاحف و المنتزهات ؟
ففي غياب أي تصور للتدبير الإداري لهذه المرافق ستكون عملية تسييرها أشبه بتسيير مرافق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،بالاعتماد على عمال الإنعاش الوطني .!!!!
كما أن إدارة هذه المرافق يجب ان تفتح في وجه العموم لتقديم الترشيحات وفق دراسة الملفات ، وان تعطى الأولوية كما الحال في المدن الاخرى لأبناء المدينة ،
لان جهات بالمدينة لم تنظر بعين الرضى الى التعيينات المباشرة التي شملت بعض المرافق التي سلمت للجماعة أو تلك التي لازالت تحت تسيير شركة التنمية و المعايير المعتمدة في تعيين المسؤولين عليها دون إعلان طلب عروض .!!!!!
– و يبقى عامل التواصل مهما مع الرأي العام بخصوص مصير فضاءات ترتبط بالنشاط التجاري لفئات داخل المدينة ، كما هو الحال بخصوص ساحة ملعب بيجوان الذي انتشرت عدة صيغ لإعادة هيكلته جعلت ارباب المطاعم المتواجدة به تائهين غير عارفين بمصيرهم فثارة يقال لهم ستعاد هيكلتهم و ثارة أخرى يقال لهم تم العدول عن المشروع ،
وما يسري على هؤلاء يسري على المحلات المتواجدة بمنتزه الإنبعاث بمحاداة ساحة أيت سوس ، فبين قرار الإزالة كما هو مقرر في المشروع الموقع امام الملك ، وبين القيل و القال بأن هناك مقترح في لجنة التتبع بالابقاء عليها رغم ان جماليتها لا تنسجم عمرانيا مع المعمار الهندسي للمنتزه.
… في المحصلة هناك عمل جبار تقوم به لجنة التتبع و التقييم ، ومجهود محمود تقوم به شركة التنمية في التواصل و الإخبار مع المنتخبين ، لكن تبقى الحلقة المفقودة هي تلك التي كان يجب ان تربط المنتخبين بالساكنة عبر تقديم خلاصات البرنامج بشكل دوري ، و كذلك الحال بالنسبة للمجتمع المدني و الإعلام .
لقد أصدرت شركات التنمية “اطلس المشاريع ” عدة مرات ، لكنه لم يصل إلى الساكنة ،ولم يتحول إلى مادة إعلامية تكون متداولة.
وهذا الضعف في التواصل زكاه آخر لقاء عقده رئيس جماعة أكادير يوم الجمعة 12 يناير، بحضور “سعيد أمزازي” والي جهة سوس ماسة بمعية “وبحضور شركاء برنامج التنمية الحضرية لمدينة أكادير، والهدف منه التتبع والتقييم للبرنامج، طبقا لمقتضيات المادة 7 من الاتفاقية الإطار المتعلقة بِتمويل وتنزيل البرنامج،
فكل التغطيات الإعلامية الموجودة اليوم بمحرك “جوجل ” كلها متطابقة و متشابهة وكأننا امام قصاصة لوكالة المغرب العربي للانباء ،!!!
و المتعطش لمعرفة التفاصيل لا يجدها في نفس الجمل المكررة في كل التغطيات لهذا اللقاء ،
مع العلم ان اللقاء له دلالات قوية و عميقة ، فهو الاجتماع 11 من اجتماعات لجنة التتبع و التقييم ، و هو الاول في عهد الوالي الجديد ، و هو الإجتماع الاخير قبل متم الاربع سنوات المقررة للبرنامج .
الإجتماع يتحدث عن مشاريع يجب ان تنتهي قبل تنظيم المغرب لكأس افريقيا 2025 ، و عن مشاريع اخرى ستنجز دون تحديد سقف زمني لا لانطلاقتها ولا للانتهاء منها ، و كأننا بشكل سلس و عفوي نقر بلا بلاغ رسمي ان برنامج 2020/2024 سيتم تمديده لسنوات إضافية !!!!!
– إن المطلوب بمناسبة إنتهاء المدة المقدرة لإنجاز البرنامج ان يخرج السيد الوالي ببلاغ يحدد فيه ما أنجز و مالم ينجز وما تقرر ان لا ينجز ، ويقول للرأي العام حجم إلتزام الشركاء بالوفاء بإلتزاماتهم :
من إلتزم ،ومن لم يلتزم ،
وبعدها توضع جدولة زمنية إضافية للبرنامج تكون على شكل ميثاق يجمع اصحاب البرنامج مع الساكنة بآجال محددة و مضبوطة .
– ليس عيبا أن تقر جماعة أكادير انها تجد صعوبة في الوفاء بالتزاماتها المالية بسبب الاغلاق الشامل للمدينة بسبب كورونا والذي حد من مواردها المالية ،و بسبب ارتفاع حجم مساهمتها الذي فاق امكانياتها ،و بسبب الصعوبات المرتبطة بعرض عقاراتها للبيع والتي لم يتم بيعها بعد ، وايضا بسبب نظام السندات الذي لازال في بداياته ولم تظهر نتائجه الكبرى بعد ،
– وليس عيبا بسبب كورونا و الحرب الروسية أن نقر ان الجدولة الموقعة امام صاحب الجلالة يصعب الالتزام بها وان زيادة سنة او سنة و نصف امر طبيعي حتمته ظروف خارجية ،وبناء عليه نعيد جدولة المشاريع .
– وليس عيبا بل هو واجب ان نعيد فتح ملفات المشاريع المنجزة و مراقبة و محاسبة مجالات صرف الاموال المعتمدة ومدى مطابقتها للكلفة الحقيقية لتلك المشاريع و متابعة اي متلاعب بهامش الربح او تضخيم كلفة الانجاز !!!!!
– لكن في المجمل الأعم. لا يمكننا الا ان نفتخر ان وجه مدينتنا تغير بشكل كلي ، وكما يقول “راديو المدينة”, مهما كانت حجم الاختلاسات- إن وجدت – ،ومهما كان حجم التلاعب بكلفة المشاريع- إن ضخمت- ، فإن الجميل و الاجمل هو ان مدينتنا بعتث من جديد ، و ان ما سمي بالاشغال البهلوانية لم يكن سوى جعجعة بلا طحين ، وان من كان يستهدف البرنامج بنية استهداف الوالي فإن الوالي قد رحل ، ومن عينه في السيد عزيز اخنوش ، فهو لازال بمنصبه حتى تنتهي ولايته ،وتلك هي صناديق الإقتراع ، وتلك هي الديموقراطية .
غير ذلك فأكادير تزدهر و تنبعث من جديد ،ولكل واحد فيها نصيب ،والنصيب الاكبر هو لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
فهل تعتبرون ؟