هل نحن بخير ؟ ام علينا ان نخاف ؟!!!

بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،أكادير،غشت2024.
عندما يكون الاب طوال الوقت خارج البيت غارقا في عمله ،وتظهر آثار ذلك العمل على بيته و اسرته ، حيث ينعكس عمل الاب و تضحياته على جميع افراد الاسرة ، ساعتها يكونون متفهمين لإنشغاله متباهين بعمله وإجتهاده فيه .
هذا على مستوى البيوت ، فماذا لو كان الامر يتعلق بالبيت الكبير ؟
الدولة ،الحكومة، النظام ،المخزن ، سميه ما شئت ، المهم هو ان الدولة بكل مؤسساتها يفترض انها تضحي وتعمل و تجتهد من اجل إسعاد المواطنين ، والمواطنون يثقون في دولتهم ، ويثقون في مشاريعها،و يشجعونها على بدل المزيد من العطاء .
لكن عندما يحس المواطنون ان الدولة رغم تدشيناتها في كل مكان ،وانتصاراتها الديبلوماسية على مختلف الواجهات ،وقروض بالملايير لإنجاز المشاريع و البرامج التي تستهدف المواطن ،
رغم كل هذا فهي كذلك الاب الذي يقضي طوال وقته في العمل ،و لكن آثار عمله لا تنعكس على اسرته ،
في حال الدولة هنا ، فالمواطن بقدرما يتباهى باوراش الدولة المفتوحة في كل مكان ،إلا ان آثار ذلك على المواطن إما ضعيفة او غائبة او مرتبكة .
عندما تطلق مديعات التلفزة العنان للغة وهن يخترن اعمق العبارات للتنويه بالنهضة التي تعرفها البلاد وياتون بالصور و الفيديوهات لمصانع تشيد هنا وهناك ، و تدشينات تعطي انطلاقة مشاريع عملاقة ،واصبحنا نتحدث عن صناعة السيارات و الطاقات المتجددة و تطوير قطاع الفوسفاط ، و اجزاء الطائرات و ثناعة البواخر ،و بناء السدود و الملاعب و المسارح و المسابح و المركبات الثقافية و الاحتماعية ،و الطرقات و الطريق السريع و القطارات فائقة السرعة ،والابراج العملاقة ،و المناطق الصناعية ،و تجزئات سكنية ،و مستشفيات جامعية وكليات الطب ،ومراكز التكوين المهني …
كل هذا ينجز واكثر ،وكل هذا يثلج الصدر واكثر ،
لكن السؤال المحير : لماذا لا نرى آثار ذلك في الميزانية ؟، وفي مؤشر التنمية ؟،وفي معدلات البطالة؟ ،وفي الصحة و التعليم والعدل؟ .
الاب الذي يقضي عظم الوقت في المشاريع و البرامج من اجل تحسين وضعية اسرته دون ان يرى اهل الدار نتائج ذلك المجهود .
افراد الاسرة رغم انهم ينتسبون الى نفس البيت يختلف مستوى الوعي عندهم ،ومتفاوتون في الصبر ، وليس كلهم عندهم الثقة في عمل الاب .
وبسبب تأخر آثار عمل الاب على الاسرة ،تجدهم منفلتون وتائهون وبدأت تتكرس عندهم الانانية والبحث عن الحلول الفردية مثل الهجرة او الخروج من الدراسة لممارسة مهن غير مهيكلة .
يمكن ان يحدث الطلاق مع الزوجة ،وانحراف البنت إما تطرفا عرقيا او دينيا تحتمي به ، او إنحرافا نحو الدعارة و يمكن ان ينتج عنها اطفال خارج نطاق الاسرة ، واخوها إما سارق ليغطي حاجياته او قابع في ركن من البيت مستسلما تحت تأثير المخدرات التي قد تتطور الامور ليتاجر فيها بحثا عن مستقبل …
هذا حال دولتنا ، إنشغات عن المواطن بدعوى المشاريع و البرامج ، وقد سردناها كاملة ، فدعونا نسرد إنعكاسات تأخر الدولة وغيابها و سوء تدبيرها ،من طلاق بلغ ارقاما قياسية ،الى إغراق الشوارع بأطفال في وضعية الشارع نتيجة لتفشي الدعارة بكل اشكالها ،و إنتشار سرقة النشل بالشوارع ،و تفشي العنف ،و المخدرات بكل اشكالها ،و الجريمة بكل درجاتها ، بطالة متفشية ،مهن غير مهيكلة تغزو الشوارع ، فساد في الإدارة ، تزايد مهول للهدر المدرسي …
هل ازيدكم من الشعر بيتا ,ام اكتفي بهذا الجرد ؟
نعم كل المشاريع التي ذكرناها تعرف فيها بلادنا طفرة نوعية ،لكن ايضا كل الظواهر الإجتماعية التي عرضناها تنخر مجتمعنا .
فهل من حقنا ان نخاف ؟
هل نغرس شجرة و نعول على من يسقيها فيأتيها بالفأس ليقتلعها؟
فيما تجدي كل هذه المشاريع إذا كان المواطن المعني بها والمستهدف المفترض ان يتمتع بها و يحسن وضعيته ، غارق في اوضاع اصبحت بنيوية ولا يمكن اقتلاعها .
لا تستغربوا عندما تروا جيلا باكمله يكسر واجهات الحافلات ،و يقتلع الاشجار ،و يعتدي على إشارات المرور ،و يكسر زجاج واجهات المرافق العمومية ،و يرمي بالازبال غير مبالي …
علينا ان نعيد النظر في ترتيب الاولويات ، ولنخرج مشروع النموذج التنموي لنراجعه بعد مستجدات كورونا ،ففيه كثير من الاعطاب التي شخصها التقرير ،وفيها ايضا كثير من التوجهات العامة التي تنضاف الى الخطب الملكية و تصلح ان تكون خريطة طريق نحو انتشال المواطن من اعطابه .
اخاف على الاحزاب التي تربعت على عرش المراكز الاولى باصوات المواطنين ان يصيبهم ما اصاب معمر القدافي الذي لم يجد قولا غير :من انتم ؟
وبشكل معكوس سيقول لكن المغاربة يوما : من انتم ؟
ولا نتمنى لكم ما يحدث لحكومة بانكلاديش ، فانتم تدققون في كل مؤشرات المواطن ،غافلين عن الانتباه لمؤشر الثقة فيكم و في الدولة الذي وصل ادنى درجاته كما هو مؤشر التنمية في قائمة الدول .
كفى … كفى …
فهل تعتبرون ؟

Exit mobile version